فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

{ يوم نقول } قرأ الجمهور بالنون ، وقرئ بالياء وقرئ أقول ويقال ، والعامل في الظرف ما يبدل القول ، أو محذوف ، أي : اذكر يوم أو أنذرهم يوم نقول { لجهنم : هل امتلأت ؟ وتقول : هل من مزيد ؟ } قيل هذا الكلام على طريق التمثيل والتخييل ، ولا سؤال ولا جواب ؛ وبه قال الزمخشري ، والأولى أنه على طريقة التحقيق ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع ، قال الكرخي : جعل الزمخشري هذا من باب المجاز مردود ، لما ورد : تحاجت النار والجنة ، واشتكت النار إلى ربها ، ولا مانع من ذلك فقد سبح الحصى ، وسلم الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو فتح باب المجاز فيه لاتسع الخرق . قال النسفي : هذا على تحقيق القول من جهنم ، وهو غير مستنكر ، كإنطاق الجوارح والسؤال لتوبيخ الكفار ، لعلمه تعالى أنها قد امتلأت أم لا ، وقال الواحدي : قال المفسرون : أراها الله تصديق قوله : { لأملأن جهنم } فلما امتلأت قال لها : هل امتلأت ؟ وتقول هل من مزيد ؟ أي قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ ، وبهذا قال عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان .

وقيل : إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة ، أي : أنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها ، وقيل إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها لتضايقها بأهلها . والمزيد ؛ إما مصدر كالمجيد ، أو إسم مفعول كالمبيع ، فالأول بمعنى هل من زيادة والثاني : بمعنى هل من شيء تزيد فيه ؟ قال ابن عباس : وهل في من مكان يزاد في ؟

وأخرج البخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن أنس قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد ؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض وتقول : قط قط ، وعزتك وكرمك ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا آخر فيسكنهم في فضول الجنة {[1533]} هذا لفظ مسلم ، وأخرجاه أيضا من حديث أبي هريرة نحوه ، وفيه : فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع الله عليها رجله يقول لها قط قط ، قيل معنى القدم هنا القوم المتقدم إلى النار ، ومعنى الرجل العدد الكثير من الناس وغيرهم ، وفي الباب أحاديث ، ومذهب جمهور السلف فيها الإيمان بها من غير تأويل ولا تعطيل ولا تكييف ( ولا تحريف ولا تمثيل ، وإمرارها على ظاهرها ، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه ، قال القرطبي في تذكرته : باب ما جاء أن جهنم في الأرض وأن البحر طبقها .

روي عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يركب البحر رجل إلا غاز أو حاج معتمر ، فإن تحت البحر نارا " ذكره أبو عمرو وضعفه ، قال ابن عمر : لا يتوضأ بماء البحر لأنه طبق جهنم وضعفه أبو عمرو أيضا .


[1533]:رواه البخاري ومسلم.