اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

قوله تعالى : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } يوم منصوب إما «بظَلاَّمٍ »{[52463]} ولا مفهوم لهذا ؛ لأنه إذا لم يظلم في هذا اليوم فنفي الظلم عنه في غيره أحرى . أو بقوله : { وَنُفِخَ فِي الصور } . والإشارة بذلك إلى : يَوْمَ نَقُولُ . قاله الزمَخْشَريّ{[52464]} . واستبعده أبُو حَيَّان ؛ لكثرة الفواصل{[52465]} أو باذْكُرْ مقدراً أو بأنْذِرْ{[52466]} . وهو على هذين الأخيرين مفعول به لا ظرف . وقرأ نافعٌ وأبو بكْرٍ : يَقُولُ لِجَهَنَّم بياء الغيبة{[52467]} ، والفاعل : الله تعالى ، لتقدم ذكره في قوله : { لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ } والأعمش : يُقالُ{[52468]} مبنياً للمفعول . وقوله : «هَل امْتَلأتِ » وذلك لما سبق من وعده إياها أنه يملأها من الجنَّةِ والنَّاسِ وهذا السؤال من الله - عزّ وجلّ - لتصديق خبره وتحقيق وَعْدِهِ .

قوله : { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } سؤال تقرير وتوقيف{[52469]} . وقيل : معناه النفي . وقيل : السؤال لخزنتها والجواب مبهم ، فلا بدّ من حذف مضاف أي نقولُ لخزنة جهنم ويقولون ثم حذف{[52470]} . و«المزيد » يجوز أن يكون مصدراً{[52471]} أي مِنْ زيادةٍ وأن يكون اسمَ مفعول أي من شيءٍ تَزيدُونَه أَحْرِقُهُ .

فصل

قال المفسرون : معنى قوله : هل من مزيد أي قد امتلأتُ ولم يبق فِيَّ موضعٌ لم يمتلئ ، فهو استفهام إنكار بمعنى الاستزادة ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ( رضي الله عنهم ){[52472]} وعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتَلأتِ قبل دخول جميع أهلها فيها . روي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته : لأمْلأَن جهنم من الجنة والناس أجمعين ، فلما سبق أعداء الله تعالى إليها لا يلقى فيها فوجٌ إلا ذهب فيها ولا يملأُها فتقول : ألستَ قد أقسمتَ لتَمَلأَنِّي فيضع قدمه عليها ثم يقول : هل امْتَلأتِ ؟ فتقول : قَطْ قَطْ قد امتلأت وليس فِيَّ مزيد{[52473]} .


[52463]:وهو أحد قولي الزمخشري في الكشاف 4/9 ثم أبي حيان في البحر 8/127 وأحد أقوال الرازي في تفسيره الكبير 28/174.
[52464]:الكشاف المرجع السابق.
[52465]:قال: "وهذا بعيد جدا قد فصل على القول بين العامل والمعمول بجمل كثيرة فلا يناسب هذا القول فصاحة القرآن وبلاغته" وانظر البحر 8/127.
[52466]:وانظر البحر والكشاف السابقين.
[52467]:وهي قراءة سبعية متواترة انظر الكشاف لمكي 2/285 والسبعة 607 والقرطبي 17/18.
[52468]:مشى المؤلف في نسبته تلك كما مشى أبو حيان في البحر 8/127 وقد نسبها ابن خالويه في المختصر 144، والقرطبي في الجامع 17/18 إلى ابن مسعود بينما نسبها أبو الفتح في المحتسب إليهما هما والحسن وانظر المحتسب 2/284.
[52469]:في البحر: السؤال من الله تقرير ومن النار حقيقة.
[52470]:وقد نقل أبو حيان في البحر هذا الرأي للرماني 8/127.
[52471]:أي مصدرا ميميا من الثلاثي.
[52472]:زيادة من (أ).
[52473]:وانظر هذا في تفسير البغوي على الخازن والخازن أيضا 6/237 و238.