لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ} (30)

قوله عز وجل : { يوم نقول لجهنم هل امتلأت } بيان لما سبق لها من وعد الله تعالى إياها أنه يملؤها من الجنة والناس وهذا السؤال من الله تعالى لتصديق خبره وتحقيق وعده { وتقول } يعني جهنم { هل من مزيد } يعني تقول قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلئ فهو استفهام إنكاري . وقيل : هو بمعنى الاستزادة . وهو رواية عن ابن عباس . فعلى هذا يكون السؤال وهو قوله : هل امتلأت ؟ قبل دخول جميع أهلها فيها .

وروي عن ابن عباس : «إن الله تعالى سبقت كلمته لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلا ذهب فيها ولا يملؤها شيء فتقول ألست قد أقسمت لتملأني فيضع قدمه عليها فيقول هل امتلأت ؟ فتقول قط قط قد امتلأت وليس من مزيد » ( ق ) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العرش - وفي رواية رب العزة - فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعزتك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقاً فيسكنهم فضول الجنة » ولأبي هريرة نحوه وزاد " ولا يظلم الله من خلقه أحداً " .

( فصل )

هذا الحديث من مشاهير أحاديث الصفات وللعلماء فيه وفي أمثاله مذهبان :

أحدهما : وهو مذهب جمهور السلف وطائفة من المتكلمين أنه لا يتكلم في تأويلها بل نؤمن بأنها حق على ما أراد الله ورسوله ونجريها على ظاهرها ولها معنى يليق بها وظاهرها غير مراد والمذهب الثاني وهو قول جمهور المتكلمين أنها تتأول بحسب ما يليق بها فعلى هذا اختلفوا في تأويل هذا الحديث . فقيل : المراد بالقدم المقدم وهو سائغ في اللغة . والمعنى : حتى يضع الله فيها من قدمه لها من أهل العذاب . وقيل : المراد به قدم بعض المخلوقين فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم . وقيل : إنه يحتمل أن في المخلوقات من تسمى بهذه التسمية وخلقوا لها . قال القاضي عياض : أظهر التأويل أنهم قوم استحقوها وخلقوا لها قال المتكلمون : ولا بد من صرفه عن ظاهره لقيام الدليل القطعي العقلي على استحالة الجارحة على الله تعالى والله أعلم .

قوله : قط قط أي : حسبي حسبي . قد اكتفيت . وفيها ثلاث لغات : إسكان الطاء ، وكسرها منونة ، وغير منونة . وقوله : ولا يظلم الله من خلقه أحداً ، يعني : أنه يستحيل الظلم في حق الله تعالى فمن عذبه بذنب أو بغير ذنب فذلك عدل منه سبحانه وتعالى .