فهذه صفحة الترغيب . . وإلى جوارها صفحة الترهيب . . الترهيب الذي يزلزل القلوب :
( فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) . .
يا للهول ! حرب من الله ورسوله . . حرب تواجهها النفس البشرية . . حرب رهيبة معروفة المصير ، مقررة العاقبة . . فأين الإنسان الضعيف الفاني من تلك القوة الجبارة الساحقة الماحقة ؟ !
ولقد أمر رسول الله [ ص ] عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرة أن يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي . وقد أمر [ ص ] في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية - وأوله ربا عمه العباس - عن كاهل المدينين الذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة ، حتى نضج المجتمع المسلم ، واستقرت قواعده ، وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الربا الوبيئة . وقال [ ص ] في هذه الخطبة :
" وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين . وأول ربا أضع ربا العباس " . . ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية .
فالإمام مكلف - حين يقوم المجتمع الإسلامي - أن يحارب الذين يصرون على قاعدة النظام الربوي ، ويعتون عن أمر الله ، ولو اعلنوا أنهم مسلمون . كما حارب أبو بكر - رضي الله عنه - مانعي الزكاة ، مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقامتهم للصلاة . فليس مسلما من يأبى طاعة شريعة الله ، ولا ينفذها في واقع الحياة !
على أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام . فهذه الحرب معلنة - كما قال أصدق القائلين - على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي والاجتماعي . هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة . وهي حرب على الأعصاب والقلوب . وحرب على البركة والرخاء . وحرب على السعادة والطمأنينة . . حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض . حرب المطاردة والمشاكسة . حرب الغبن والظلم . حرب القلق والخوف . . وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش والدول . الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت . فالمرابون أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عن طريق غير مباشر . وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات . ثم تقع فيها الشعوب والحكومات . ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب ! أو يزحفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب ! أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائد ديونهم ، فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين ، فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدامة فتقوم الحرب ! وأيسر ما يقع - إن لم يقع هذا كله - هو خراب النفوس ، وانهيار الأخلاق ، وانطلاق سعار الشهوات ، وتحطم الكيان البشري من أساسه ، وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرعيبة !
إنها الحرب المشبوبة دائما . وقد اعلنها الله على المتعاملين بالربا . . وهي مسعرة الآن ؛ تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة ؛ وهي غافلة تحسب أنها تكسب وتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع . . وكانت هذه التلال حرية بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر ؛ ولكنها - وهي تخرج من منبع الربا الملوث - لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية ، ويسحقها سحقا ؛ في حين تجلس فوقه شرذمة المرابين العالميين ، لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام الملعون !
لقد دعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى ، ولا يزال يدعو البشرية كلها إلى المشرع الطاهر النظيف ، وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء :
( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم . لا تظلمون ولا تظلمون ) . .
فهي التوبة عن خطيئة . إنها خطيئة الجاهلية . الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دون زمان ، ولا نظام دون نظام . . إنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيث كان . . خطيئة تنشىء آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة . وتنشىء آثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة . وتنشىء آثارها في الحياة البشرية كلها ، وفي نموها الاقتصادي ذاته . ولو حسب المخدوعون بدعاية المرابين ، إنها وحدها الأساس الصالح للنمو الاقتصادي !
واسترداد رأس المال مجردا ، عدالة لا يظلم فيها دائن ولا مدين . . فأما تنمية المال فلها وسائلها الأخرى البريئة النظيفة . لها وسيلة الجهد الفردي . ووسيلة المشاركة على طريقة المضاربة وهي إعطاء المال لمن يعمل فيه ، ومقاسمته الربح والخسارة . ووسيلة الشركات التي تطرح أسهمها مباشرة في السوق - بدون سندات تأسيس تستأثر بمعظم الربح - وتناول الأرباح الحلال من هذا الوجه . ووسيلة إيداعها في المصارف بدون فائدة - على أن تساهم بها المصارف في الشركات والصناعات والأعمال التجارية مباشرة أو غير مباشرة - ولا تعطيها بالفائدة الثابتة - ثم مقاسمة المودعين الربح على نظام معين أو الخسارة إذا فرض ووقعت . . وللمصارف أن تتناول قدرا معينا من الأجر في نظير إدارتها لهذه الأموال . . ووسائل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها . . وهي ممكنة وميسرة حين تؤمن القلوب ، وتصح النيات على ورود المورد النظيف الطاهر ، وتجنب المورد العفن النتن الآسن !
{ فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }
يعني جل ثناؤه بقوله : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا } فإن لم تذروا ما بقي من الربا .
( واختلف القراء في قراءة قوله : { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة : { فأْذَنُوا } بقصر الألف من فأذنوا وفتح ذالها ، بمعنًى وكونوا على علم وإذْن . وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قراء الكوفيين : «فَآذِنُوا » بمدّ الألف من قوله : «فآذِنوا » وكسر ذالها ، بمعنى : فآذنوا غيركم ، أعلموهم وأخبروهم بأنكم على حربهم .
وأولى القراءتين بالصواب في ذلك ، قراءة من قرأ : { فأذَنُوا } بقصر ألفها وفتح ذالها ، بمعنى : اعلموا ذلك واستيقنوه ، وكونوا على إذن من الله عزّ وجل لكم بذلك . وإنما اخترنا ذلك ، لأن الله عزّ وجلّ أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن ينبذ إلى من أقام على شركه الذي لا يقرّ على المقام عليه ، وأن يقتل المرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام ، أذنه المشركون بأنهم على حربه أولم يأذنوه ، فإذ كان المأمور بذلك لا يخلو من أحد أمرين ، إما أن يكون كان مشركا مقيما على شركه الذي لا يقرّ عليه ، أو يكون كان مسلما فارتدّ وأذن بحرب ، فأيّ الأمرين كان ، فإنما نبذ إليه بحرب ، لا أنه أمر بالإيذان بها إن عزم على ذلك ، لأن الأمر إن كان إليه فأقام على أكل الربا مستحلاً له ، ولم يؤذن المسلمون بالحرب ، لم يلزمهم حربه ، وليس ذلك حكمه في واحدة من الحالين ، فقد علم أنه المأذون بالحرب لا الاَذن بها . وعلى هذا التأويل تأوّله أهل التأويل . ) ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس في قوله : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الربّا } إلى قوله : { فأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه ، فحقّ على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع ، وإلا ضرب عنقه .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : يقال يوم القيامة لاَكل الربا : خذ سلاحك للحرب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرّبا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } أوعدهم الله بالقتل كما تسمعون ، فجعلهم بهرجا أينما ثقفوا .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : { فإنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } أوعد لاَكل الربا بالقتل .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس قوله : { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ } فاستيقنوا بحرب من الله ورسوله .
وهذه الأخبار كلها تنبىء عن أن قوله : { فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ } إيذان من الله عزّ وجلّ لهم بالحرب والقتل ، لا أمر لهم بإيذان غيرهم .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ } .
يعني جل ثناؤه بذلك : إن تبتم فتركتم أكل الربا ، وأنبتم إلى الله عزّ وجلّ ، فلكم رءوس أموالكم من الديون التي لكم على الناس دون الزيادة التي أحدثتموها على ذلك ربا منكم . كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ } المال الذي لهم على ظهور الرجال جعل لهم رُءُوسَ أموالهم حين نزلت هذه الآية . فأما الربح والفضل فليس لهم ، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : حدثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، قال : وضع الله الربا ، وجعل لهم رءوس أموالهم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة في قوله : { وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ } قال : ما كان لهم من دين ، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم ، ولا يزدادوا عليه شيئا .
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ } الذي أسلفتم وسقط الربا .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح : «ألاّ إنّ رِبا الجاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ ، وَأوّلُ رِبا أبْتَدِىءُ بِهِ رِبا العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطّلِب » .
حدثنا المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته : «إنّ كُلّ رِبا مَوْضُوعٌ ، وأوّلُ رِبا يُوضَعُ رِبا العَبّاس » .
القول في تأويل قوله : { لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } .
يعني بقوله : { لا تَظْلِمُونَ } بأخذكم رءوس أموالكم التي كانت لكم قبل الإرباء على غرمائكم منهم دون أرباحها التي زدتموها ربا على من أخذتم ذلك منه من غرمائكم ، فتأخذوا منهم ما ليس لكم أخذه ، أو لم يكن لكم قبل . { وَلا تُظْلَمُونَ } يقول : ولا الغريم الذي يعطيكم ذلك دون الربا الذي كنتم ألزمتموه من أجل الزيادة في الأجل يبخسكم حقا لكم عليه فيمنعكموه ، لأن ما زاد على رءوس أموالكم ، لم يكن حقا لكم عليه ، فيكون بمنعه إياكم ذلك ظالما لكم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان ابن عباس يقول وغيره من أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : { وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ } فتربون ، { وَلا تُظْلَمُونَ } فتنقصون .
وحدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ } قال : لا تنقصون من أموالكم ، ولا تأخذون باطلاً لا يحلّ لكم .
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ( 279 )
ثم توعدهم تعالى إن لم يذروا الربا بحرب من الله ومن رسوله وأمته ، والحرب داعية القتل ، وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب ، وقال ابن عباس أيضاً : من كان مقيماً( {[2731]} ) على الربا لا ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يستتيبه ، فإن نزع والإ ضرب عنقه ، وقال قتادة : أوعد الله أهل الربا بالقتل فجعلهم بهرجاً( {[2732]} ) أينما ثقفوا ، ثم ردهم تعالى مع التوبة إلى رؤوس أموالهم ، وقال لهم : { لا تَظلمون } في أخذ الربا { ولا تُظلمون } في أن يتمسك بشيء من رؤوس أموالكم ، فتذهب أموالكم .
ويحتمل أن يكون لا تظلمون في مطل ، لأن مطل الغني ظلم ، كما قال صلى الله عليه وسلم( {[2733]} ) .
فالمعنى أن يكون القضاء مع وضع الربا . وهكذا سنة الصلح ، وهذا أشبه شيء بالصلح ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على كعب بن مالك في دين ابن أبي حدرد بوضع الشطر ، فقال كعب : نعم يا رسول الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخر : قم فاقضه ، فتلقى العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات ، وقرأ الحسن «ما بقِيْ » بكسر القاف وإسكان الياء ، وهذا كما قال جرير : [ البسيط ]
هو الخليفةُ فارضوْا ما رَضَي لكُمُ . . . ماضي العَزِيمَةِ ما في حُكْمِهِ جَنَفُ( {[2734]} )
ووجهها أنه شبه الياء بالألف ، فكما لا تصل الحركة إلى الألف فكذلك لم تصل هنا إلى الياء ، وفي هذا نظر ، وقرأ أبو السمال من «الرّبُوْ » بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو ، وقال أبو الفتح : شذ هذا الحرف في أمرين :
أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم بناء لازماً( {[2735]} ) ، والآخر وقوع الواو بعد الضمة في آخر الاسم ، وهذا شيء لم يأت إلا في الفعل ، نحو يغزو ويدعو وأما ذو الطائية بمعنى الذي فشاذة جداً ، ومنهم من يغير واوها إذا فارق الرفع ، فيقول رأيت ذا قام ، ووجه القراءة أنه فخم الألف انتحاء بها الواو التي الألف بدل منها على حد قولهم ، الصلاة والزكاة وهي بالجملة قراءة شاذة ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وابن عامر والكسائي : «فأذنَوا » مقصورة مفتوحة الذال ، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر : «فآذِنوا » ممدودة مكسورة الذال .
قال سيبويه : آذنت أعلمت ، وأذنت ناديت وصوت بالإعلام قال : وبعض يجري آذنت مجرى أذنت ، قال أبو علي : من قال : «فأذنوا » فقصر ، معناه فاعلموا الحرب من الله ، قال ابن عباس وغيره من المفسرين : معناه فاستيقنوا الحرب من الله تعالى .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه وهي عندي من الإذن ، وإذا أذن المرء في شيء فقد قرره وبنى مع نفسه عليه ، فكأنه قال لهم فقرروا الحرب بينكم وبين الله ورسوله ، ملزمهم من لفظ الآية أنهم مستدعو الحرب والباغون بها ، إذ هم الآذنون بها وفيها ، ويندرج في هذا المعنى الذي ذكرته علمهم بأنهم حرب وتيقنهم لذلك ، قال أبو علي : ومن قرأ «فآذنوا » فمد ، فتقديره فأعلموا من لم ينته عن ذلك بحرب ، والمفعول محذوف ، وقد ثبت هذا المفعول في قوله تعالى :
{ فقل آذنتكم على سواء }( {[2736]} ) [ الأنبياء : 109 ] وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة ، قال : ففي إعلامهم ، وليس في علمهم إعلامهم غيرهم ، فقراءة المد أرجح ، لأنها أبلغ وآكد قال الطبري : قراءة القصر أرجح لأنها تختص بهم ، وإنما أمروا على قراءة المد بإعلام غيرهم .
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والقراءتان عندي سواء لأن المخاطب في الآية محصور بأنه كل من لم يذر ما بقي من الربا ، فإن قيل لهم : «فأذنوا » فقد عمهم الأمر ، وإن قيل لهم : «فآذنوا » بالمد فالمعنى أنفسكم وبعضكم بعضاً ، وكأن هذه القراءة تقتضي فسحاً لهم في الارتياء والتثبت أي فأعلموا نفوسكم هذا ثم انظروا في الأرجح لكم ، ترك الربا أو الحرب( {[2737]} ) ، وقرأ جميع القراء «لا تَظلمون » بفتح التاء و «لا تُظلمون » بضمها( {[2738]} ) وقد مضى تفسيره .
وروى المفضل عن عاصم : لا «تُظلمون » بضم التاء في الأولى وفتحها في الثانية . قال أبو علي : وتترجح قراءة الجماعة فإنها تناسب قوله { فإن تبتم } في إسناد الفعلين إلى الفاعل فيجي «تظلمون » بفتح التاء أشكل بما قبله .