إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ فَأۡذَنُواْ بِحَرۡبٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَإِن تُبۡتُمۡ فَلَكُمۡ رُءُوسُ أَمۡوَٰلِكُمۡ لَا تَظۡلِمُونَ وَلَا تُظۡلَمُونَ} (279)

{ فَإِن لَمْ تَفْعَلُواْ } أي ما أُمرتم به من الاتقاء وتركِ البقايا إما مع إنكار حُرمتِه وإما مع الاعتراف بها { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ منَ الله وَرَسُولِهِ } أي فاعلَموا بها من أذِن بالشيء إذا علِمَ به ، أما على الأول فكَحربِ المرتدين وأما على الثاني فكحرب البغاة ، وقرئ فآذِنوا أي فأَعْلموا غيرَكم قيل : هو من الأذان وهو الاستماع فإنه من طرُق العلم ، وقرئ فأيقِنوا وهو مؤيِّد لقراءة العامة ، وتنكيرُ حربٍ للتفخيم ، و( من ) متعلقة بمحذوف وقع صفةً لها مؤكدةً لفخامتها أي بنوعٍ من الحرب عظيمٍ لا يقادَرُ قدرُه كائنٍ من عند الله ورسوله .

روي أنه لما نزلت قالت ثقيفٌ : لا يدَ لنا بحرب الله ورسوله { وَإِن تُبتُمْ } من الارتباء مع الإيمان بحرمتها بعدما سمعتموه من الوعيد { فَلَكُمْ رُؤوسُ أموالكم } تأخُذونها كَمَلاً { لاَ تظْلمُونَ } غُرماءَكم بأخذ الزيادة ، والجملةُ إما مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب أو حالٌ من الضمير في لكم والعاملُ ما تضمّنه الجارُّ من الاستقرار { وَلاَ تُظْلَمُونَ } عطفٌ على ما قبله ، أي لا تُظلَمون أنتم من قِبَلهم بالمَطْل والنقص ، ومن ضرورة تعليقِ هذا الحكمِ بتوبتهم عدمُ ثبوتِه عند عدمها ، إن كان مع إنكار الحرمةِ فهم مرتدون ، ومالُهم المكسوبُ في حال الرِّدة فيءً للمسلمين عند أبي حنيفةَ رضي الله عنه وكذا سائرُ أموالهم عند الشافعيِّ وعندنا هو لورثتهم ، ولا شيءَ لهم على كل حال ، وإن كان مع الاعتراف بها فإن كان لهم شوكةٌ فهم على شرف القتل لم تسلَم لهم رؤوسُهم فكيف برؤوس أموالهم وإلا فكذلك عند ابن عباس رضي الله عنهما فإنه يقول : «مَنْ عاملَ الربا يستتاب وإلا ضُرب عنقُه » وأما عند غيرِه فهم محبوسون إلى أن تظهرَ توبتُهم لا يُمَكّنون من التصرفات أصلاً فما لم يتوبوا لم يسلَمْ لهم شيءٌ من أموالهم بل إنما يسلَم بموتهم لورثتهم .