في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

وقالت امرأة فرعون : قرة عين لي ولك ، لا تقتلوه ، عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ؛ وهم لايشعرون . .

لقد اقتحمت به يد القدرة على فرعون قلب امرأته ، بعد ما اقتحمت به عليه حصنه . لقد حمته بالمحبة . ذلك الستار الرقيق الشفيف . لا بالسلاح ولا بالجاه ولا بالمال . حمته بالحب الحاني في قلب امرأة . وتحدت به قسوة فرعون وغلظته وحرصه وحذره . . وهان فرعون على الله أن يحمي منه الطفل الضعيف بغير هذا الستار الشفيف !

( قرة عين لي ولك ) . .

وهو الذي تدفع به يد القدرة إليهم ليكون لهم - فيما عدا المرأة - عدوا وحزنا ! ( لا تقتلوه ) . .

وهو الذي على يده مصرع فرعون وجنده !

( عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا ) . .

وهو الذي تخبئ لهم الأقدار من ورائه ما حذروا منه طويلا !

( وهم لا يشعرون ) . .

فيا للقدرة القادرة التي تتحداهم وتسخر منهم وهم لا يشعرون !

وينتهي المشهد الثاني ويسدل الستار عليه إلى حين .

ذلك شأن موسى . فما بال أمه الوالهة وقلبها الملهوف ?

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىَ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } .

يقول تعالى ذكره : وَقالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ له هذا قُرةُ عَيْنٍ لي ولَكَ يا فرعون فقرّة عين مرفوعة بمضمر هو هذا ، أو هو . وقوله : لا تَقْتُلُوهُ مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله . وذُكِر أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون ، قال فرعون : أمّا لك فنعم ، وأما لي فلا ، فكان كذلك . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي مَعْشر ، عن محمد بن قيس ، قال : قالت امرأة فرعون : قُرةُ عَيْنٍ لي ولَكَ ، لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا قال فرعون : قرّة عين لك ، أما لي فلا . قال محمد بن قيس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لَوْ قالَ فِرْعَوْنُ : قُرةُ عَيْنٍ لي ولَكِ ، لَكانَ لَهُما جَمِيعا » .

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : اتخذه فرعونُ ولدا ، ودُعِيَ على أنه ابن فرعون فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا ، فبينما هي ترقصه وتلعب به ، إذ ناولته فرعون ، وقالت : خذه قرةَ عين لي ولك ، قال فرعون : هو قرّة عين لك ، لا لي . قال عبد الله بن عباس : لو أنه قال : وهو لي قرّة عين إذن لآمن به ، ولكنه أبى .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قالت امرأة فرعون : قُرّةُ عَيْنٍ لي ولَكَ تعني بذلك موسى .

حدثنا العباس بن الوليد ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا الأصبغ بن يزيد ، قال : حدثنا القاسم بن أبي أيوب ، قال : ثني سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس قال : لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعون قالت : قُرّةُ عَيْنٍ لي ولَكَ قال فرعون : يكون لك ، فأما لي فلا حاجة لي فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَالّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أقَرّ فِرْعَوْنُ أنْ يَكُونَ لَهُ قُرّةَ عَيْنٍ كمَا أقَرّتْ ، لَهَدَاهُ اللّهُ بِهِ كمَا هَدَى بِهِ امْرأتَهُ ، وَلَكِنّ اللّهَ حَرَمَهُ ذلكَ » .

وقوله : لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا ذُكِر أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله . قال بعضهم : حين أُتيَ به يوم التقطه من اليم . وقال بعضهم : يوم نَتَف من لحيته أو ضربه بعصا كانت في يده . ذكر من قال : قالت ذلك يوم نتف لحيته :

حدثنا موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما أتيَ فرعون به صبيا أخذه إليه ، فأخذ موسى بلحيته فنتفها ، قال فرعون : عليّ بالذباحين ، هو هذا قالت آسية : لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا إنما هو صبيّ لا يعقل ، وإنما صنَع هذا من صباه .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا قال : أُلقِيَتْ عليه رحمتها حين أبصرته .

وقوله : وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وهم لا يشعرون هلاكهم على يده . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال : وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه ، وفي زمانه .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال : إن هلاكهم على يديه .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال : آل فرعون إنه لهم عدوّ .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بما هو كائن من أمرهم وأمره . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : قالت امرأة فرعون آسية : لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ يقول الله : وهم لا يشعرون أي بما هو كائن بما أراد الله به .

وقال آخرون : بل معنى قوله وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ بنو إسرائيل لا يشعرون أنّا التقطناه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن أبي معشر ، عن محمد بن قيس لا تقتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال : يقول : لا تدري بنو إسرائيل أنّا التقطناه .

والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : معنى ذلك : وفرعون وآله لا يشعرون بما هو كائن من هلاكهم على يديه .

وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات به لأنه عُقَيب قوله : وَقالَتِ امْرأةُ فِرْعَوْنَ قُرّةُ عَيْنٍ لي ولَكَ ، لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أنْ يَنْفَعَنا أوْ نَتّخِذَهُ وَلَدا وإذا كان ذلك عقبه ، فهو بأن يكون بيانا عن القول الذي هو عقبه أحقّ من أن يكون بيانا عن غيره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون { قرة عين لي ولك } ، فقالت فرقة : كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون : أما لي فلا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له » ، {[9112]} وقال السدي : بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوتة فاحترق لسانه وعلق العقدة ، وقوله { لا يشعرون } أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره ، وقرأ ابن مسعود «لا تقتلوه قرة عين لي ولك » قدم وأخر .


[9112]:في خبر طويل أخرجه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي، وذكره في الدر المنثور أن الذي قال ذلك هو ابن عباس رضي الله عنهما. (راجع تفسير الطبري 21-34- والدر المنثور 5-118)، ولم يشر أحدهما إلى أنه رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم.