السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

وقال وهب : لما وضع التابوت بين يدي فرعون فتحه فوجد فيه موسى فلما نظر إليه قال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكان فرعون قد استنكح امرأة من بني إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاحم وكانت من خيار النساء ومن بنات الأنبياء عليهم السلام وكانت أماً للمساكين ترحمهم وتتصدّق عليهم وهي المذكورة في قوله تعالى : { وقالت امرأة فرعون } أي : له وهي قاعدة لجنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وإنما أمرت أن تذبح الولدان لهذه السنة فدعه { قرّة عين لي } أي : به { ولك } أي : يا فرعون لأنهما لما رأياه أخرج من التابوت أحباه ، وروي أنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى ليس من بني إسرائيل . ولما أثبتت له أنه ممن تقرّ به العيون قالت { لا تقتلوه } أي : لا أنت بنفسك ولا أحد ممن تأمره بذلك ، ثم عللت ذلك واستأنفت بقولها { عسى أن ينفعنا } ولو كان له أبوان معروفان فإنّ فيه مخايل اليمن ودلائل النفع وذلك لما رأت من النور بين عينيه وارتضاعه من إبهامه لبناً وبرئه البرصاء بريقه { أو نتخذه ولداً } أي : إذا كان لم يعرف له أبوان فيكون نفعه أكثر فإنه أهل لأن تتشرّف به الملوك .

تنبيه : التاء في قرّة عين مجرورة ، وقف عليها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي بالهاء ، والباقون بالتاء وهي خبر مبتدأ مضمر أي : هو قرّة عين ، والعامّة من القراء والمفسرين وأهل العلم على ذلك .

ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس أنه وقف على لا ، أي : هو قرّة عين لي فقط ولك لا أي : ليس هو لك قرّة عين ثم يبتدئ بقوله تقتلوه ، وقال ابن عادل : وهذا لا ينبغي أن يصح عنه وكيف يبقى تقتلوه من غير نون رفع ولا مقتض لحذفها فلذلك قال الفراء : هو لحن .

وقوله تعالى { وهم لا يشعرون } جملة حالية من كلام الله تعالى أي : لا شعور لهم أصلاً لأنّ من لا يكون له علم إلا باكتساب فكيف إذا كان مطبوعاً على قلبه وإذا كانوا كذلك فلا شعور لهم بما يؤول إليه أمرهم معه من الأمور الهائلة المؤدّية إلى هلاك المفسدين ، وقيل : إنّ ذلك من كلام امرأة فرعون كأنها لما رأت ملأه أشاروا بقتله قالت له افعل أنت ما أقول لك وقومك لا يشعرون أنا التقطناه .