نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

ولما أخبر تعالى عن آخر أمرهم معه ، تخفيفاً على السامع بجمع طرفي القصة إجمالاً وتشويقاً إلى تفصيل ذلك الإجمال ، وتعجيلاً بالتعريف بخطائهم ليكون جهلهم الذي هو أصل شقائهم مكتنفاً لأول الكلام وآخره ، أخبر عما قيل عند التقاطه فقال عاطفاً على { فالتقطه } : { وقالت امرأة فرعون } أي لفرعون لما أخرجته من التابوت ، وهي التي قضى الله أن يكون لها سعادة ، وهي آسية بنت مزاحم إحدى نساء بني إسرائيل - نقله البغوي : { قرت عين لي } أي به { ولك } أي يا فرعون .

ولما أثبت له أنه ممن تقر به العيون ، أنتج ذلك استبقاءه ، ولذلك نهت عن قتله وخافت أن تقول : لا تقتله ، فيجيبها حاملاً له على الحقيقة ثم يأمر بقتله ، ويكون مخلصاً له عن الوقوع في إخلاف الوعد ، فجمعت قائلة : { لا تقتلوه } أي أنت بنفسك ولا أحد ممن تأمره بذلك ، ثم عللت ذلك أو استأنفت فقالت : { عسى } أي يمكن ، وهو جدير وخليق { أن ينفعنا } أي لما أتخيل فيه من النجابة ولو كان له أبوان معروفان { أو نتخذه ولداً } إن لم يعرف له أبوان ، فيكون نفعه أكثر ، فإنه أهل لأن يتشرف به الملوك .

ولما كان هذا كله فعل من لا يعلم ، فلا يصح كونه إلهاً ، صرح بذلك تسفيهاً لمن أطاعه في ادعاء ذلك فقال : { وهم } أي تراجعوا هذا القول والحال أنهم { لا يشعرون* } أي لا شعور لهم أصلاً ، لأن من لا يكون له علم إلا بالاكتساب فهو كذلك ، فكيف إذا كان لا يهذب نفسه باكتسابه ، فكيف إذا كان مطبوعاً على قلبه وإذا كانوا كذلك فلا شعور لهم بما يؤول إليه أمرهم معه من الأمور الهائلة المؤدية إلى هلاك المفسدين ليعلموا لذلك أعماله من الاحتراز منه بما ينجيهم .