اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالَتِ ٱمۡرَأَتُ فِرۡعَوۡنَ قُرَّتُ عَيۡنٖ لِّي وَلَكَۖ لَا تَقۡتُلُوهُ عَسَىٰٓ أَن يَنفَعَنَآ أَوۡ نَتَّخِذَهُۥ وَلَدٗا وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ} (9)

قوله : { قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ } فيه وجهان :

أظهرهما : أنه خبر مبتدأ مضمر ، أي : هُو قُرَّة عينٍ .

الثاني - وهو بعيد جداً - أن يكون مبتدأ والخبر «لاَ تَقْتُلُوهُ »{[39725]} . وكان هذا{[39726]} القائل حقه أن لا{[39727]} يُذكِّر ، فيقول : «لاَ تَقْتُلُوها » ، إلا أنه لما كان المراد مذكراً ساغ ذلك ، والعامة من القراء والمفسرين وأهل العلم يقفون على «ولَكَ »{[39728]} . ونقل ابن الأنباري بسنده إلى ابن عباس عنه أنه وقف على «لاَ » أي : هو «قُرَّةُ عَيْنٍ لِي » فقط ، «وَلَكَ لاَ » ، أي : ليس هو لك قرة عين ، ثم يبتدئ بقوله «تَقْتُلُوه » ، وهذا لا ينبغي أن يصحَّ عنه ، وكيف يبقى «تَقْتُلُوه » من غير نون رفع ، ولا مُقْتَضى لحذفها ؟ ولذلك{[39729]} قال الفراء : هو لحن{[39730]} .

قوله : { عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً } . كانت لا تلد ، فاستوهبت موسى من فرعون ، فوهبه لها{[39731]} ، وقال{[39732]} فرعون : أَمَّا أنا فلا حاجة لي به{[39733]} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قال يومئذ قرة عين لي كما هو لَكِ ، لهداه الله كما هداها »{[39734]} وقال{[39735]} لآسية سميه ، قالت{[39736]} : سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر ، ( فَمُو هو الماء ، و ( شا ) هو البحر ، فذلك قوله : { فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ } . والالتقاط : هو وجود الشيء ){[39737]} {[39738]} .

قوله : { وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } جملة حالية{[39739]} ، وهل هي من كلام الباري تعالى{[39740]} وهو الظاهر ، أو من كلام امرأة فرعون ؟ كأنها لما رأت ملأه أشاروا بقتله ، قالت له كذا ؛ أي : افعل أنت ما أقول لك وقومك لا يشعرون أنا التقطناه - قاله الكلبي{[39741]} ، وجعل الزمخشري الجملة من قوله : { وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ } معطوفة على «فَالتَقَطَهُ » والجملة من قوله : { إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ } إلى «خَاطِئِينَ » مُعترضة{[39742]} بين المتعاطفين ، وجعل متعلق الشعور من جنس الجملة المعترضة أي : لا يشعرون أنهم على خطأ في التقاطه ، أو أن هلاكهم على يديه{[39743]} ، قال أبو حيان : ومتى أمكن حَمْلُ الكلام على ظاهره من غير فصل كان أحسن{[39744]} .


[39725]:فيكون قد عرف أنه قرة عين. انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 4/133، الكشاف 3/158، البحر المحيط 7/106، وذكر الوجهين ابن الأنباري، انظر البيان 2/229-230.
[39726]:في ب: هو.
[39727]:لا: تكملة ليست في المخطوط.
[39728]:في ب: ذلك.
[39729]:في ب: وكذلك. وهو تحريف.
[39730]:قال الفراء: (وفي قراءة عبد الله "لا تقتلوه قرة عين لي ولك" وإنما ذكرت هذا لأني سمعت الذي يقال له ابن مروان السدي يذكر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: إنها قالت: "قرة عين لي ولك لا" وهو لحن، ويقويك على رده قراءة عبد الله) معاني القرآن 2/302، وانظر المختصر (111-112) وابن الأنباري في كتابه إيضاح الوقف والابتداء (822) نقل عبارة الفراء معزوة إليه ولم يزد عليها شيئاً.
[39731]:انظر القرطبي 13/254.
[39732]:في ب: قال. وهو تحريف.
[39733]:في ب: فيه.
[39734]:انظر الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف (126).
[39735]:في ب: فقال.
[39736]:في ب: قال. وهو تحريف.
[39737]:انظر البغوي 6/321.
[39738]:ما بين القوسين في ب: من غير طلب.
[39739]:وصاحب الحال: "آل فرعون" وتقدير الكلام: فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً وقالت امرأة فرعون كذا وهم لا يشعرون أنهم على خطأ عظيم في التقاطه ورجاء النفع منه وتبنّيه. الكشاف 3/158.
[39740]:أي: لا يشعرون أن هلاكهم بسببه وعلى يده. وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل. وقال ابن عباس: يريد لا يشعرون إلى ماذا يصير أمر موسى عليه السلام. الفخر الرازي 24/229، البحر المحيط 7/106.
[39741]:انظر الفخر الرازي 24/229، البحر المحيط 7/106.
[39742]:في النسختين: معترضاً. والصواب ما أثبته.
[39743]:انظر الكشاف 3/158.
[39744]:البحر المحيط 7/106.