ولكن الواجب الملقى على عاتق الرسل يقضي عليهم بالمضي في الطريق :
فالقول بالتشاؤم من دعوة أو من وجه هو خرافة من خرافات الجاهلية . والرسل يبينون لقومهم أنها خرافة ؛ وأن حظهم ونصيبهم من خير ومن شر لا يأتيهم من خارج نفوسهم . إنما هو معهم . مرتبط بنواياهم وأعمالهم ، متوقف على كسبهم وعملهم . وفي وسعهم أن يجعلوا حظهم ونصيبهم خيراً أو أن يجعلوه شراً . فإن إرادة الله بالعبد تنفذ من خلال نفسه ، ومن خلال اتجاهه ، ومن خلال عمله . وهو يحمل طائره معه . هذه هي الحقيقة الثابتة القائمة على أساس صحيح . أو التشاؤم بالوجوه ، أما التشاؤم بالأمكنة أو التشاؤم بالكلمات . . فهو خرافة لا تستقيم على أصل مفهوم !
يعني أترجموننا وتعذبوننا لأننا نذكركم ! أفهذا جزاء التذكير ?
تتجاوزون الحدود في التفكير والتقدير ؛ وتجازون على الموعظة بالتهديد والوعيد ؛ وتردون على الدعوة بالرجم والتعذيب !
القول في تأويل قوله تعالى : { قَالُواْ طَائِرُكُم مّعَكُمْ أَإِن ذُكّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مّسْرِفُونَ * وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىَ قَالَ يَقَوْمِ اتّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ * اتّبِعُواْ مَن لاّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مّهْتَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : قالت الرسل لأصحاب القرية : طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أئِنْ ذُكّرْتُمْ يقولون : أعمالكم وأرزاقكم وحظّكم من الخير والشرّ مَعكم ، ذلك كله في أعناقكم ، وما ذلك من شؤمنا إن أصابكم سوء فيما كتب عليكم ، وسبق لكم من الله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ : أي أعمالكم معكم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس ، وعن كعب ، وعن وهب بن منبه ، قالت لهم الرسل : طائِرُكُمْ مَعَكُمْ : أي أعمالكم معكم .
وقوله : أئِنْ ذُكّرْتُمْ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء الأمصار أئِنْ ذُكّرْتُمْ بكسر الألف من «إنْ » وفتح ألف الاستفهام : بمعنى إن ذكرناكم فمعكم طائركم ، ثم أدخل على «إن » التي هي حرف جزاء ألفَ استفهام في قول بعض نحويّي البصرة ، وفي قول بعض الكوفيين منويّ به التكرير ، كأنه قيل : قالوا طائركم معكم إن ذُكّرتم فمعكم طائركم ، فحذف الجواب اكتفاء بدلالة الكلام عليه . وإنما أنكر قائل هذا القول القول الأوّل ، لأن ألف الاستفهام قد حالت بين الجزاء وبين الشرط ، فلا تكون شرطا لما قبل حرف الاستفهام . وذُكر عن أبي رَزِين أنه قرأ ذلك : أئِنْ ذُكّرْتُمْ بمعنى : ألأِن ذُكّرتُم طائركم معكم ؟ . وذُكر عن بعض قارئيه أنه قرأه : «قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أيْنَ ذُكِرْتُمْ » بمعنى : حيث ذُكِرتم بتخفيف الكاف من ذُكِرْتم .
والقراءة التي لا نجيز القراءة بغيرها القراءة التي عليها قرّاء الأمصار ، وهي دخول ألف الاستفهام على حرف الجزاء ، وتشديد الكاف على المعنى الذي ذكرناه عن قارئيه كذلك ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أئِنْ ذُكّرْتُمْ : أي إن ذكّرناكم اللّهَ تطيرتم بنا ؟ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ .
وقوله : بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ يقول : قالوا لهم : ما بكم التطَيّر بنا ، ولكنكم قومٌ أهل معاص لله وآثام ، قد غلبت عليكم الذنوب والاَثام .
وقولهم عليهم السلام ، { طائركم معكم } ، معناه حظكم وما صار إليه من خير وشر معكم ، أي من أفعالكم ومن تكسباتكم ليس هو من أجلنا ولا بسببنا بل ببغيكم وكفركم ، وبهذا فسر الناس ، وسمي الحظ والنصيب طائراً استعارة أي هو مما تحصل عن النظر في الطائر ، وكثر استعمال هذا المعنى حتى قالت المرأة الأنصارية : فطار لنا ، حين اقتسم المهاجرون ، عثمان بن مظعون{[9780]} ، ويقول الفقهاء : طار لفلان في المحاصة كذا وكذا ، وقرأ ابن هرمز والحسن وعمرو بن عبيد «طيركم معكم » ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر «أإن ذكرتم » بهمزتين الثانية مكسورة على معنى أإن ذكرتم تتطيرون ، وقرأ نافع وأبوعمرو وابن كثير بتسهيل هذه الهمزة الثانية وردها ياء «أين ذكرتم » ، وقرأ الماجشون{[9781]} «أن ذكرتم » بفتح الألف{[9782]} ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «إن ذكرتم » بكسر الألف ، وقرأ أبو عمرو في بعض ما روي عنه وزر بن حبيش «أأن ذكرتم » بهمزتين مفتوحتين وشاهده قول الشاعر : [ الطويل ]
أأن كنت داود أحوى مرجلاً . . . فلست براع لابن عمك محرما{[9783]}
وقرأ أبو جعفر بن القعقاع والأعمش «أينْ ذكَرتم » بسكون الياء وتخفيف الكاف .
قال القاضي أبو محمد : فهي «أين » المقولة في الظرف ، وهذه قراءة أبي جعفر وخالد وطلحة وقتادة والحسن في تخفيف الكاف فقط{[9784]} ، ثم وصفهم بالإسراف والتعدي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.