في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

42

ولقد كان أولئك المتخلفون ذوي قدرة على الخروج ، لديهم وسائله ، وعندهم عدته :

( ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ) . .

وقد كان فيهم عبداللّه بن أبي بن أبي سلول ، وكان فيهم الجد بن قيس ، وكانوا أشرافاً في قومهم أثرياء .

( ولكن كره اللّه انبعاثهم ) . .

لما يعلمه من طبيعتهم ونفاقهم ، ونواياهم المنطوية على السوء للمسلمين كما سيجيء .

( فثبطهم ) . .

ولم يبعث فيهم الهمة للخروج .

( وقيل : اقعدوا مع القاعدين ) . .

وتخلفوا مع العجائز والنساء والأطفال الذين لا يستطيعون الغزو ، ولا ينبعثون للجهاد . فهذا مكانكم اللائق بالهمم الساقطة والقلوب المرتابة والنفوس الخاوية من اليقين .

وكان ذلك خيراً للدعوة وخيراً للمسلمين :

42

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأعَدّواْ لَهُ عُدّةً وَلََكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ } .

يقول تعالى ذكره : ولو أراد هؤلاء المستأذنوك يا محمد في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك الخروج معك . لاَءَعَدّوا لَهُ عُدّةً يقول : لأعدّوا للخروج عدّة ، ولتأهبوا للسفر والعدوّ أهبتهما . وَلكِنْ كَرِهَ اللّهُ انْبِعاثَهُمْ يعني : خروجهم لذلك . فَثَبّطَهُمْ يقول : فثقل عليهم الخروج حتى استخفوا القعود في منازلهم خلافك ، واستثقلوا السفر والخروج معك ، فتركوا لذلك الخروج . وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدِينَ يعني : اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون ومع النساء والصبيان ، واتركوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والمجاهدين في سبيل الله . وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به ، لعلمه بنفاقهم ، وغشهم للإسلام وأهله ، وأنهم لو خرجوا معهم ضرّوهم ولم ينفعوا . وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القعود كانوا عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، ومن كانا على مثل الذي كانا عليه . كذلك :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذين استأذنوه فيما بلغني من ذوي الشرف منهم عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةٗ وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَٰعِدِينَ} (46)

وقوله تعالى { ولو أرادوا الخروج } الآية ، حجة على المنافقين ، أي ولو أرادوا الخروج بنياتهم لنظروا في ذلك واستعدوا له قبل كونه ، و «العدة » ما يعد للأمر ويروى له من الأشياء{[5674]} ، وقرأ جمهور الناس «عُدة » بضم العين وتاء تأنيث ، وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية بن محمد «عُدة » بضم العين وهاء إضمار يريد «عدته » فحذفت تاء التأنيث لما أضاف ، كما قال «وأقام الصلاة » يريد إقامة الصلاة ، هذا قول الفراء ، وضعفه أبو الفتح ، وقال : إنما حذف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير عوضاً منها ، وقال أبو حاتم : هو جمع ( عدة ) على ( عد ) ، كبرة وبر ، ودرة ودر ، والوجه فيه ُعدد ولكن لا يوافق خط المصحف ، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبان وزر بن حبيش «عِده » بكسر العين وهاء إضمار وهو عندي اسم لما يعد كالذبح والقتل{[5675]} لأن العدو سمي قتلاً إذ حقه أن يقتل هذا في معتقد العرب حين سمته ، { انبعاثهم } نفوذهم لهذه الغزوة ، و «التثبيط » التكسيل وكسر العزم ، وقوله { وقيل } ، يحتمل أن يكون حكاية عن الله تعالى أي قال الله في سابق قضائه { اقعدوا مع القاعدين } ، ويحتمل أن يكون حكاية عنهم أي كانت هذه مقالة بعضهم لبعض إما لفظاً وإماً معنى ، فحكي في هذه الألفاظ التي تقتضي لهم مذمة إذ القاعدون النساء والأطفال ، ويحتمل أن يكون عبارة عن إذن محمد صلى الله عليه وسلم لهم في القعود ، أي : لما كره الله خروجهم يسر أن قلت لهم :{ اقعدوا مع القاعدين } ، والقعود هنا عبارة عن التخلف والتراخي كما هو في قول الشاعر :

. . . . . . . . . . . . . . . . . . *** . *** واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي{[5676]}

وليس للهيئة في هذا كله مدخل ، وكراهية الله انبعاثهم رفق بالمؤمنين .


[5674]:- من الروية في الأمر، وهي النظر وعدم العجلة، بمعنى التفكير فيه، قال ابن الأثير: الرويّة: ما يروّي الإنسان في نفسه من القول والفعل، أي يزوّر ويفكر، وأصلها الهمز، يقال: روّأت في الأمر. (عن اللسان).
[5675]:- الذّبح والقتل بكسر الذال والقاف هو ما يعدّ للذبح والقتل، وفي التنزيل {وفديناه بذبح عظيم} أي: بكبش يُذبح، قال الأزهري: هو بمنزلة المذبوح والذّبيح، وهو بمنزلة الطحن بمعنى المطحون، والقطف بمعنى القطوف، وفي حديث الضحية (فدعا بذبح فذبحه). (عن اللسان).
[5676]:- البيت للحطيئة في قصيدة مشهورة قالها يهجو الزبرقان بن بدر، وهو بتمامه: دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي. أي المطعوم المكسوّ. ومعناه يحمل قسوة في الهجاء علّق عليها النقاد.