في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

هذه الصورة المشرفة الوضيئة الحساسة الشفيفة ترافقها صورة للجزاء الرفيع الخاص الفريد . الجزاء الذي تتجلى فيه ظلال الرعاية الخاصة ، والإعزاز الذاتي ، والإكرام الإلهي والحفاوة الربانية بهذه النفوس :

( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) . .

تعبير عجيب يشي بحفاوة الله - سبحانه - بالقوم ؛ وتوليه بذاته العلية إعداد المذخور لهم عنده من الحفاوة والكرامة مما تقر به العيون . هذا المذخور الذي لا يطلع عليه أحد سواه . والذي يظل عنده خاصة مستورا حتى يكشف لأصحابه عنه يوم لقائه ! عند لقياه ! وإنها لصورة وضيئة لهذا اللقاء الحبيب الكريم في حضرة الله .

يا لله ! كم ذا يفيض الله على عباده من كرمه ! وكم ذا يغمرهم سبحانه بفضله ! ومن هم - كائنا ما كان عملهم وعبادتهم وطاعتهم وتطلعهم - حتى يتولى الله جل جلاله إعداد ما يدخره لهم من جزاء ، في عناية ورعاية وود واحتفال ? لولا أنه فضل الله الكريم المنان ? !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مّآ أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .

يقول تعالى ذكره : فلا تعلم نفس ذي نفسٍ ما أخفى الله لهؤلاء الذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم في هاتين الاَيتين ، مما تقرّ به أعينهم في جنانه يوم القيامة جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ يقول : ثوابا لهم على أعمالهم التي كانوا في الدنيا يعملون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عبيد المحاربي ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، قال : قال عبد الله : إن في التوراة مكتوبا : لقد أعدّ الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وما لم يسمعه ملك مقرّب . قال : ونحن نقرؤها : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ .

حدثنا خلاد ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرائيل ، قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن عُبيدة بن ربيعة ، عن ابن مسعود ، قال : مكتوب في التوراة على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، في القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : خبىء لهم ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . قال سفيان : فيما علمت على غير وجه الشكّ .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق قال : سمعت أبا عبيدة ، قال : قال عبد الله ، قال ، يعني الله : أعددت لعبادي الصالحين ما لم تر عين ، ولم تسمع أذن ، ولم يخطر على قلب ناظر فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ منْ قُرّةِ أعْيُنِ جَزَاءً بِما كانُوا يَعْمَلونَ .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن صلت ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي إسحاق ، عن عبيدة بن ربيعة الحارثي ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن في التوراة للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع من الكرامة ، ما لم تر عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، ولم تسمع أذن ، وإنه لفي القرآن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُن .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الأشجعي ، عن ابن أبجر ، قال : سمعت الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة يقول على المنبر : إن موسى صلى الله عليه وسلم سأل عن أبخس أهل الجنة فيها حظا ، فقيل له : رجل يُؤتى به وقد دخل أهل الجنة الجنة ، قال : فيقال له : ادخل ، فيقول : أين وقد أخذ الناس أَخَذاتهم ؟ فيقال : اعدد أربعة ملوك من ملوك الدنيا ، فيكون لك مثل الذي كان لهم ، ولك أخرى شهوة نفسك ، فيقول : أشتهي كذا وكذا ، وأشتهي كذا ويقال : لك أخرى ، لك لذّة عينك ، فيقول : ألذّ كذا وكذا ، فيقال : لك عشرة أضعاف مثل ذلك ، وسأله عن أعظم أهل الجنة فيها حظا ، فقال : ذاك شيء ختمت عليه يوم خلقت السموات والأرض . قال الشعبي : فإنه في القرآن : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْملونَ .

حدثني أحمد بن محمد الطّوسي ، قال : حدثنا الحميدي ، قال : حدثنا ابن عُيينة وحدثني به القرقساني ، عن ابن عيينة ، عن مطرف بن طريف ، وابن أبجر ، سمعنا الشعبيّ يقول : سمعت المغيرة بن شعبة على المنبر يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم : «إنّ مُوسَى سألَ رَبّهُ : أيْ رَبّ ، أيّ أهْلِ الجَنّةِ أدْنَى مَنْزِلةً ؟ قال : رَجُلُ يَجيءُ بَعْدَ ما دَخَلَ أهْلُ الجَنّةِ الجَنّةَ ، فَيُقالُ لَهُ : ادْخُلْ ، فَيَقُولُ : كَيْفَ أدْخُلُ وَقَدْ نَزَلُوا مَنازِلَهُمْ ؟ فَيُقالُ لَهُ : أتَرْضَى أنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ ما كانَ لِمَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدّنْيا ؟ ، فَيَقُولُ : بَخ أيْ رَبّ قَدْ رَضِيتُ فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَمِثْلَهُ وَمِثْلهُ ومِثْلَهُ ، فَيَقُولُ : رَضِيتُ أيْ رَبّ رَضِيتُ ، فَيُقالُ لَهُ : إنّ لَكَ هَذَا وَعَشْرَةَ أمْثالِهِ مَعَهُ ، فيَقُول : رَضِيتُ أيْ رَبّ ، فَيُقالُ لَهُ : فإنّ لَكَ مَعَ هَذَا ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ، وَلَذّتْ عَيْنُكَ قالَ : فَقالَ مُوسَى : أيْ رَبّ ، وأيّ أهْل الجَنّةَ أرْفَعُ مَنْزِلَةً ؟ قالَ : إيّاها أرَدْتُ ، وسأُحَدّثُكَ عَنْهُمْ غَرَسْتُ لَهُمْ كَرَامَتِي بِيَدِي ، وَخَتَمْتُ عَلَيْها ، فَلا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ . قالَ : وَمِصْدَاق ذلكَ فِي كِتابِ اللّهِ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا محمد بن منصور الطوسيّ ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، قال : حدثنا عمرو بن أبي قَيْس ، عن ابن أبي ليلَى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله : وكانَ عَرْشُهُ على المَاءِ وكان عرش الله على الماء ، ثم اتخذ لنفسه جنة ، ثم اتخذ دونها أخرى ، ثم أطبقها بلؤلؤة واحدة قال : ومن دونهما جنتان قال : وهي التي لا تعلم نفس ، أو قال : هما التي لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون . قال : وهي التي لا تعلم الخلائق ما فيها ، أو ما فيهما يأتيهم كلّ يوم منها أو منهما تحفة .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يعقوب ، عن عنبسة ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جُبَير ، بنحوه .

حدثنا سهل بن موسى الرازيّ ، قال : حدثنا الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان الهَوْزنيّ أو غيره ، قال : الجنة مئة درجة ، أوّلها درجة فضة ، أرضها فضة ، ومساكنها فضة ، وآنيتها فضة ، وترابها المِسك . والثانية ذهب ، وأرضها ذهب ، ومساكنها ذهب ، وآنيتها ذهب ، وترابها المسك . والثالثة لؤلؤ ، وأرضها لؤلؤ ، ومساكنها لؤلؤ ، وآنيتها لؤلؤ ، وترابها المسك . وسبع وتسعون بعد ذلك ما لا عينٌ رأته ، ولا أذن سمعته ، ولا خطر على قلب بشر ، وتلا هذه الاَية فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي وعبد الرحيم ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «قالَ اللّهُ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ ، قالَ اللّهُ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ » .

حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا أبو معاوية وابن نمير ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أعْدَدْتُ لعِبادِي الصّالِحِينَ ، ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » قال أبو هريرة : ومن بله ما أطلعكم عليه ، اقرَءوا إن شئتم : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ ، جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ قال أبو هريرة : نقرؤها : «قُرّاتِ أعيُنٍ » .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا معتمر بن سليمان ، عن الحكم بن أبان ، عن الغطريف ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، عن الروح الأمين ، قال : «يُؤْتَى بِحَسَناتِ العَبْدِ وَسَيّئاتِهِ ، فَيَنْقُصُ بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ ، فإنْ بَقِيَتْ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ ، وَسّعَ اللّهُ لَهُ فِي الجَنّةِ » قال : فدخلت على يزداد ، فحدّث بمثل هذا قال : قلت : فأين ذهبت الحسنة ؟ قال : أُولَئِكَ الّذِينَ نَتَقَبّلُ عَنْهُمْ أحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيّئاتِهِمْ فِي أصحابِ الجَنّةِ وَعْدَ الصّدْقِ الّذِي كانُوا يُوعَدُونَ ، قلت : قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : العبد يعمل سرّا أسرّه إلى الله لم يعلم به الناس ، فأسرّ الله له يوم القيامة قرّة عين .

حدثني العباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا معلى بن أسد ، قال : حدثنا سلام بن أبي مطيع ، عن قتادة ، عن عقبة بن عبد الغافر ، عن أبي سعيد الخدري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يروي عن ربه ، قال : «أعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصّالِحينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني أبو صخر ، أن أبا حازم حدثه ، قال : سمعت سهل بن سعد يقول : شهدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى ، ثم قال في آخر حديثه : «فيهَا ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » ثم قرأ هذه الاَية : تَتَجافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ . . . إلى قوله جَزَاءً بِمَا كانُوا يَعْمَلُونَ .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، عن عوف ، عن الحسن ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لعِبادِي الّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يروي ذلك عن ربه ، «قالَ رَبّكُمْ : أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا سهل بن يوسف ، عن عمرو ، عن الحسن فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ قال : أخفوا عملاً في الدنيا ، فأثابهم الله بأعمالهم .

حدثني القاسم بن بشر ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة ، قال حماد : أحسبه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال : «مَنْ يَدْحُلِ الجَنّةَ يَنْعَمْ وَلا يَبْؤُسْ ، لا تَبْلَى ثِيابُهُ ، وَلا يَفْنَى شَبابُهُ ، في الجَنّةِ ما لا عَيْنٌ رأتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ » .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرّةِ أعْيُنٍ فقرأ ذلك بعض المدنيين والبصريين ، وبعض الكوفيين : أُخْفِيَ بضم الألف وفتح الياء بمعنى فُعِل . وقرأ بعض الكوفيين : «أُخْفِي لَهُمْ » بضم الألف وإرسال الياء ، بمعنى أفعل ، أخفي لهم أنا .

والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان مشهورتان ، متقاربتا المعنى ، لأن الله إذا أخفاه فهو مخفى ، وإذا أخفى فليس له مخف غيره ، و «ما » في قوله فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ فإنها إذا جعلت بمعنى الذي كانت نصبا بوقوع تعلم عليها كيف قرأ القارىء أخفى ، وإذا وجهت إلى معنى أيّ كانت رفعا إذا قرىء أخفى بنصب الياء وضم الألف ، لأنه لم يسمّ فاعله ، وإذا قرىء أُخْفِي بإرسال الياء كانت نصبا بوقوع أخفي عليها .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

{ فلا تعلم نفس ما أخفي لهم } لا ملك مقرب ولا نبي مرسل . { من قرة أعين } مما تقربه عيونهم . وعنه صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، بله ما أطلعتهم عليه ، أقرؤوا فلا تعلم نفس ما أخفي لهم " . وقرأ حمزة ويعقوب { أخفي لهم } على أنه مضارع أخفيت ، وقروء نخفي وأخفي الفاعل للكل هو الله ، وقرأت { أعين } لاختلاف أنواعها والعلم بمعنى المعرفة و { ما } موصولة أو استفهامية معلق عنها الفعل . { جزاء بما كانوا يعملون } أي جزوا جزاء أو أخفي للجزاء فإن إخفاءه لعلو شأنه . وقيل هذا القوم أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَا تَعۡلَمُ نَفۡسٞ مَّآ أُخۡفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعۡيُنٖ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (17)

ثم ذكر تعالى وعدهم من النعيم بما لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك ، وقرأ حمزة واحده «أخفي » بسكون الياء كأنه قال أخفي أنا وهي قراءة الأعمش ، وروي عنه «ما أخفيت لهم من قرة أعين » ، وقرأ عبد الله «ما نُخفي لهم » بالنون مضمومة ، وروى المفضل عن الأعمش «ما يُخفَى لهم » بالياء المضمومة وفتح الفاء ، وقرأ محمد بن كعب «ما أَخفى » بفتح الهمزة ، أي ما أخفى الله ، وقرأ جمهور الناس «أُخفيَ » بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول ، و { ما } يحتمل أن تكون بمعنى الذي ، فعلى القراءة الأولى فثم ضمير محذوف تقديره أخفيه ، وعلى قراءة الجمهور فالضمير الذي لم يسم فاعله يجري في العودة على الذي ، ويحتمل أن تكون استفهاماً ، فعلى القراءة الأولى فهي في موضع نصب ب «أخفي » وعلى القراءة الثانية هي في موضع رفع بالابتداء ، و { قرة أعين } ما تلذه وتشتيهه وهي مأخوذة من القر{[9429]} كما أن سخنة العين مأخوذة من السخانة ، وأصل هذا فيما يزعمون أن دمع الفرح بارد ودمع الحزن سخن ، وفي معنى هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل :

«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر » واقرؤوا إن شئتم : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين }{[9430]} .

وقال ابن مسعود : «في التوراة مكتوب على الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشر » . وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة وأبو الدرداء «قرات » على الجمع ، وقوله { جزاء بما كانوا يعملون } أي بتكسبهم .


[9429]:القر: البرد، أوجبوا الفتح مع الحر للمشاكلة، والقر: البرد، (عن اللسان).
[9430]:رواه الشيخان: البخاري ومسلم، ورواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن جرير الطبري في التفسير، وذكره الإمام السيوطي في (الدر المنثور)، وزاد نسبته لابن أبي شيبة، وأحمد ، وهناد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري، وابن مردويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه.