ومع الخلق والاستعلاء . . التدبير والتقدير . . في الدنيا والآخرة . . فكل أمر يدبر في السماوات والأرض وما بينهما يرفع إليه سبحانه في يوم القيامة ، ويرجع إليه مآله في ذلك اليوم الطويل :
( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض . ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) . .
والتعبير يرسم مجال التدبير منظورا واسعا شاملا : ( من السماء إلى الأرض )ليلقي على الحس البشري الظلال التي يطيقها ويملك تصورها ويخشع لها . وإلا فمجال تدبير الله أوسع وأشمل من السماء إلى الأرض . ولكن الحس البشري حسبه الوقوف أمام هذا المجال الفسيح ، ومتابعة التدبير شاملا لهذه الرقعة الهائلة التي لا يعرف حتى الأرقام التي تحدد مداها !
ثم يرتفع كل تدبير وكل تقدير بمآله ونتائجه وعواقبه . يرتفع إليه سبحانه في علاه في اليوم الذي قدره لعرض مآلات الأعمال والأقوال ، والأشياء والأحياء ( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) . . وليس شيء من هذا كله متروكا سدى ولا مخلوقا عبثا ، إنما يدبر بأمر الله إلى أجل مرسوم . . يرتفع . فكل شيء وكل أمر وكل تدبير وكل مآل هو دون مقام الله ذي الجلال ، فهو يرتفع إليه أو يرفع بإذنه حين يشاء .
القول في تأويل قوله تعالى : { يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّمَآءِ إِلَى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مّمّا تَعُدّونَ } .
يقول تعالى ذكره : الله هو الذي يدبر الأمر من أمر خلقه من السماء إلى الأرض ، ثم يعرُج إليه .
واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ فقال بعضهم : معناه : أن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض ، ويصعد من الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وقدر ذلك ألف سنة مما تعدّون من أيام الدنيا ، لأن ما بين الأرض إلى السماء خمس مئة عام ، وما بين السماء إلى الأرض مثل ذلك ، فذلك ألف سنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عمرو بن معروف ، عن ليث ، عن مجاهد فِي يَوْمٍ كان مقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ، ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد ، وذلك مقداره ألف سنة ، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمس مئة عام .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْض ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ من أيامكم كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سنة مِمّا تَعُدّونَ يقول : مقدار مسيره في ذلك اليوم ألف سنة مما تعدّون من أيامكم من أيام الدنيا خمس مئة سنة نزوله ، وخمس مئة صعوده فذلك ألف سنة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : تعرج الملائكة إلى السماء ، ثم تنزل في يوم من أيامكم هذه ، وهو مسيرة ألف سنة .
قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن سماك ، عن عكرمة ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : من أيام الدنيا .
حدثنا هناد بن السريّ ، قال : حدثنا أبو الأحوص ، عن أبي الحارث ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : يُدَبّرُ الأمْرَ مِنَ السّماءِ إلى الأرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ من أيامكم هذه ، مسيرة ما بين السماء إلى الأرض خمس مئة عام .
وذكر عن عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : تنحدر الأمور وتصعد من السماء إلى الأرض في يوم واحد ، مقداره ألف سنة ، خمس مئة حتى ينزل ، وخمس مئة حتى يعرُج .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه في يوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهنّ الخلق ، كان مقدار ذلك اليوم ألف سنة مما تعدّون من أيامكم . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : ذلك مقدار المسير قوله كألف سنة مما تعدّون ، قال : خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وكلّ يوم من هذه كألف سنة مما تعدّون أنتم .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدونَ قال : الستة الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدونَ يعني هذا اليوم من الأيام الستة التي خلق الله فيهنّ السموات والأرض وما بينهما .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض بالملائكة ، ثم تعرج إليه الملائكة ، في يَوْمٍ كان مقداره ألف سنة من أيام الدنيا . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، في قوله ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ قال : هذا في الدنيا تعرج الملائكة إليه في يوم كان مقداره ألف سنة .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا غندر ، عن شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة مما تعدّون من أيام الاَخرة .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة أنه قال في هذه الاَية : يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدَارُهُ ألْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ قال : ما بين السماء والأرض مسيرة ألف سنة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقدار ذلك التدبير ألف سنة مما تعدّون من أيام الدنيا ، ثم يعرج إليه ذلك التدبير الذي دبره . ذكر من قال ذلك :
ذُكر عن حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، أنه قال : يقضي أمر كل شيء ألف سنة إلى الملائكة ثم كذلك حتى تمضي ألف سنة ، ثم يقضي أمر كل شيء ألفا ، ثم كذلك أبدا ، قال : يوم كان مقداره ، قال : اليوم أن يقال لما يقضي إلى الملائكة ألف سنة ، كن فيكون ، ولكن سماه يوما . سماه كما بيّنا كل ذلك عن مجاهد ، قال : وقوله : إنّ يَوْما عِنْدَ رَبّك كألْفِ سَنَةِ مِمّا تَعُدّون قال : هو هوسواء .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إلى الله في يوم كان مقداره ألف سنة ، مقدار العروج ألف سنة مما تعدّون . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ يَعْرُجُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ ألْفَ سَنَةِ مِمّا تَعُدّونَ قال بعض أهل العلم : مقدار ما بين الأرض حين يعرج إليه إلى أن يبلغ عروجه ألف سنة ، هذا مقدار ذلك المعراج في ذلك اليوم حين يعرج فيه .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ، ثم يعرج إليه في يوم ، كام مقدار ذلك اليوم في عروج ذلك الأمر إليه ، ونزوله إلى الأرض ألف سنة مما تعدون من أيامكم خمس مئة في النزول ، وخمس مئة في الصعود ، لأن ذلك أظهر معانيه ، وأشبهها بظاهر التنزيل .
{ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض } يدبر أمر الدنيا بأسباب سماوية كالملائكة وغيرها نازلة آثارها إلى الأرض { ثم يعرج إليه } ثم يصعد إليه ويثبت في عمله موجودا . { في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون } في برهة من الزمان متطاولة يعني بذلك استطالة ما بين التدبير والوقوع . وقيل يدبر الأمر بإظهاره في اللوح فينزل به الملك ثم يعرج إليه في زمان هو كألف سنة ، لأن مسافة نزوله وعروجه مسيرة ألف سنة فإن ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة . وقيل يقضي قضاء ألف سنة فينزل به الملك ثم يعرج بعد الألف لألف آخر . وقيل يدبر الأمر إلى قيام الساعة ثم يعرج إليه الأمر كله يوم القيامة وقيل يدبر المأمور به من الطاعات منزلا من السماء إلى الأرض بالوحي ، ثم لا يعرج إليه خالصا كما يرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة المخلصين والأعمال الخلص ، وقرئ " يعرج " و " يعدون " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.