في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

47

وبعد إحياء المشهد واستحضاره بهذا الالتفات من الوصف إلى الخطاب يعود إلى وصف ما هناك :

( ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ) فهذا هو سجل أعمالهم يوضع أمامهم ، وهم يتملونه ويراجعونه ، فإذا هو شامل دقيق . وهم خائفون من العاقبة ضيقو الصدور بهذا الكتاب الذي لا يترك شاردة ولا واردة ، ولا تند عنه كبيرة ولا صغيرة : 18 : لون : يا ويلتنا . ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، إلا أحصاها ? وهي قولة المحسور المغيظ الخائف المتوقع لأسوأ العواقب ، وقد ضبط مكشوفا لا يملك تفلتا ولا هربا ، ولا مغالطة ولا مداورة : ( ووجدوا ما عملوا حاضرا ) ولاقوا جزاء عادلا : ( ولا يظلم ربك أحدا ) . .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَاۚ وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرٗاۗ وَلَا يَظۡلِمُ رَبُّكَ أَحَدٗا} (49)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَوَيْلَتَنَا مَا لِهََذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبّكَ أَحَداً } .

يقول عزّ ذكره : ووضع الله يومئذٍ كتاب أعمال عباده في أيديهم ، فأخذ واحد بيمينه وأخذ واحد بشماله فَتَرى المُجْرِمينَ مُشْفقينَ مِمّا فِيهِ يقول عزّ ذكره : فترى المجرمين المشركين بالله مشفقين ، يقول : خائفين وجلين مما فيه مكتوب من أعمالهم السيئة التي عملوها في الدنيا أن يؤاخذوا بها وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لَهَذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغيرَةً وَلا كَبِيرةً إلاّ أحْصَاها يعني أنهم يقولون إذا قرأوا كتابهم ، ورأوا ما قد كُتب عليهم فيه من صغائر ذنوبهم وكبائرها ، نادوا بالويل حين أيقنوا بعذاب الله ، وضجوا مما قد عرفوا من أفعالهم الخبيثة التي قد أحصاها كتابهم ، ولم يقدروا أن ينكروا صحتها كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ما لِهَذَا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إلاّ أحْصَاها اشتكى القوم كما تسمعون الإحصاء ، ولم يشتك أحد ظلما ، «فإياكم والمحقّرات من الذنوب ، فإنها تجتمع على صاحبها حتى تهلكه » . ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب لها مثلاً ، يقول كمثل قوم انطلقوا يسيرون حتى نزلوا بفلاة من الأرض ، وحضر صنيع القوم ، فانطلق كلّ رجل يحتطب ، فجعل الرجل يجيء بالعود ، ويجيء الاَخر بالعود ، حتى جمعوا سوادا كثيرا وأجّجوا نارا ، فإن الذنب الصغير يجتمع على صاحبه حتى يهلكه . وقيل : إنه عنى بالصغيرة في هذا الموضع : الضحك . ذكر من قال ذلك :

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا عبد الله بن داود ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، عن الزيال بن عمرو ، عن ابن عباس لا يُغادِرُ صَغِيرةً وَلا كَبِيرةً قال : الضحك .

17421حدثنا أحمد بن حازم ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثتني أمي حمادة ابنة محمد ، قال : سمعت أبي محمد بن عبد الرحمن يقول في هذه الاَية في قول الله عزّ وجلّ : ما لِهَذَا الكِتابِ لا يُغَادِرُ صَغيِرةً وَلا كَبِيرةً إلاّ أحْصَاها قال : الصغيرة : الضحك .

ويعني بقوله : ما لِهَذَا الكِتابِ : ما شأن هذا الكتاب لا يُغادِرُ صَغِيرةً وَلا كَبِيرَةً يقول : لا يبقى صغيرة من ذنوبنا وأعمالنا ولا كبيرة منها إلاّ أحْصَاها يقول : إلا حفظها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا في الدنيا من عمل حاضِرا في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا ، فجوّزوا بالسيئة مثلها ، والحسنة ما الله جازيهم بها وَلا يَظْلِمُ رَبّكَ أحَدا يقول : ولا يجازي ربك أحدا يا محمد بغير ما هو أهله ، لا يجازي بالإحسان إلا أهل الإحسان ، ولا بالسيئة إلا أهل السيئة ، وذلك هو العدل .