في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا} (53)

44

وبعد التعجيب من أمرهم وموقفهم وقولهم ؛ وإعلان اللعنة عليهم والخذلان . . يأخذ في استنكار موقفهم من الرسول [ ص ] والمسلمين ؛ وغيظهم من أن يمن الله عليهم هذه المنة . . منة الدين والنصر والتمكين . وحسدهم لهم على ما أعطاعهم الله من فضله . وهم لم يعطوهم من عندهم شيئا ! ويكشف في الوقت ذاته عن كزازة طبيعتهم ؛ واستكثار أى عطاء يناله غيرهم ؛ مع أن الله قد أفاض عليهم وعلى آبائهم فلم يعلمهم هذا الفيض السماحة ؛ ولم يمنعهم من الحسد والكنود :

( أم لهم نصيب من الملك ؟ فإذا لا يؤتون الناس نقيرا ! )

يا عجبا ! إنهم لا يطيقون أن ينعم الله على عبد من عباده بشيء من عنده . . فهل هم شركاؤه - سبحانه ! - هل لهم نصيب في ملكه ، الذي يمنح منه ويفيض ؟ ولو كان لهم نصيب لضنوا - بكزازتهم وشحهم - أن يعطوا الناس نقيرا . . والنقير النقرة تكون في ظهر النواة - وهذه لا تسمح كزازة يهود وأثرتها البغيضة أن تعطيها للناس ، لو كان لها في الملك نصيب ! والحمد لله أن ليس لها في الملك نصيب . . وإلا لهلك الناس جميعا وهم لا يعطون حتى النقير ! ! !

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَمۡ لَهُمۡ نَصِيبٞ مِّنَ ٱلۡمُلۡكِ فَإِذٗا لَّا يُؤۡتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيرًا} (53)

القول في تأويل قوله تعالى :

{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لاّ يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً } . .

يعني بذلك جلّ ثناؤه : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } أم لهم حظّ من الملك ، يقول : ليس لهم حظّ من الملك . كما :

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذا لم يؤتوا محمدا نقيرا .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا حجاج ، قال : قال ابن جريج : قال الله : { أمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ المُلْكِ } قال : فليس لهم نصيب من الملك ، { فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرا } ولو كان لهم نصيب وحظّ من الملك ، لم يكونوا إذًا يعطون الناس نقيرا من بخلهم .

واختلف أهل التأويل في معنى النقير ، فقال بعضهم : هو النقطة التي في ظهر النواة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قوله : { نَقِيرا } يقول : النقطة التي في ظهر النواة .

حدثني سليمان بن عبد الجبار ، قال : حدثنا محمد بن الصلت ، قال : حدثنا أبو كدينة ، عن قابوس ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : النقير الذي في ظهر النواة .

حدثني جعفر بن محمد الكوفي المروزي ، قال : حدثنا عبيد الله ، عن إسرائيل ، عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : النقير : وسط النواة .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { فإذًا لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيرا } النقير : نقير النواة : وسطها .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : { أمْ لَهُمْ نَصيبٌ مِنَ المُلْك فإذًا لا يُؤتُونَ النّاس نَقِيرا } يقول : لو كان لهم نصيب من الملك إذًا لم يؤتوا محمدا نقيرا ، والنقير : النقطة التي في وسط النواة .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني طلحة بن عمرو أنه سمع عطاء بن أبي رباح ، يقول : النقير : الذي في ظهر النواة .

حدثني يحيى بن أبي طالب ، قال : أخبرنا يزيد ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قال : النقير : النقرة التي تكون في ظهر النواة .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، قال : النقير : الذي في ظهر النواة .

وقال آخرون : النقير : الحبة التي تكون في وسط النواة . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : { نَقِيرا } قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { فإذًا لا يُؤْتونَ النّاسَ نَقِيرا } قال : النقير : حبة النواة التي في وسطها .

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا سفيان بن سعيد ، عن منصور ، عن مجاهد قال : النقير في النوي .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج : أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول : النقير : نقير النواة الذي في وسطها .

حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم يقول : النقير : نقر النواة الذي يكون في وسط النواة .

وقال آخرون : معنى ذلك : نقر الرجل الشيء بطرف أصابعه . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن يزيد بن درهم أبي العلاء ، قال : سمعت أبا العالية ، ووضع ابن عباس طرف الإبهام على ظهر السبابة ثم رفعهما وقال : هذا النقير .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله وصف هؤلاء الفرقة من أهل الكتاب بالبخل باليسير من الشيء الذي لا خطر له ، ولو كانوا ملوكا وأهل قدرة على الأشياء الجليلة الأقدار . فإذ كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى بمعنى النقير أن يكون أصغر ما يكون من النقر ، وإذا كان ذلك أولى به ، فالنقرة التي في ظهر النواة من صغار النقر ، وقد يدخل في ذلك كل ما شاكلها من النقر . ورفع قوله : { لا يُؤْتُونَ النّاسَ } ولم ينصب ب«إذا » ، ومن حكمها أن تنصب الأفعال المستقبلة إذا ابتدىء الكلام بها¹ لأن معها فاء ، ومن حكمها إذا دخل فيها بعض حروف العطف أن توجه إلى الابتداء بها مرّة وإلى النقل عنها إلى غيرها أخرى ، وهذا الموضع مما أريد بالفاء فيه النقل عن إذًا إلى ما بعدها ، وأن يكون معنى الكلام : أم لهم نصيب فلا يؤتون الناس نقيرا إذًا .