في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (44)

33

وعند هذا المقطع من القصة ، وقبل الكشف عن الحدث الكبير . . يشير السياق إلى شيء من حكمة مساق القصص . . إنه إثبات الوحي ، الذي ينبىء النبي [ ص ] بما لم يكن حاضره من أنباء الغيب ، في هذا الأمر :

( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك . وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم ؟ وما كنت لديهم إذ يختصمون ) . .

وهي إشارة إلى ما كان من تسابق سدنة الهيكل إلى كفالة مريم ، حين جاءت بها أمها وليدة إلى الهيكل ، وفاء لنذرها وعهدها مع ربها . والنص يشير إلى حادث لم يذكره " العهد القديم " ولا " العهد الجديد " المتداولان ؛ ولكن لا بد أنه كان معروفا عند الأحبار والرهبان . حادث إلقاء الأقلام . . أقلام سدنة الهيكل . . لمعرفة من تكون مريم من نصيبه . والنص القرآني لا يفصل الحادث - ربما اعتمادا على أنه كان معروفا لسامعيه ، أو لأنه لا يزيد شيئا في أصل الحقيقة التي يريد عرضها على الأجيال القادمة - فلنا أن نفهم أنهم اتفقوا على طريقة خاصة - بواسطة إلقاء الأقلام - لمعرفة من هي من نصيبه ، على نحو ما نصنع في " القرعة " مثلا . وقد ذكرت بعض الروايات أنهم ألقوا بأقلامهم في نهر الأردن . فجرت مع التيار إلا قلم زكريا فثبت . وكانت هذه هي العلامة بينهم . فسلموا بمريم له

وكل ذلك من الغيب الذي لم يكن الرسول [ ص ] حاضره ، ولم يبلغ إلى علمه . فربما كان من أسرار الهيكل التي لا تفشى ولا تباح للإذاعة بها ، فاتخذها القرآن - في مواجهة كبار أهل الكتاب وقتها - دليلا على وحي من الله لرسوله الصادق . ولم يرد أنهم ردوا هذه الحجة . ولو كانت موضع جدال لجادلوه ؛ وهم قد جاءوا للجدال !