تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (44)

الآية 44 وقوله تعالى : { ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك }أي من أخبار الغيب لم تشهده أنت يا محمد ، ولم تحضره{[3831]} ، بل نحن أخبرناك ، وذكرناك [ عن ذلك ، ثم في ذلك ]{[3832]} وجوه الدلالة :

أحدها : أراد أن يخبره عن صفوة هؤلاء وصنيعهم ليكون على علم من ذلك .

والثاني : دلالة إثبات رسالته لأنه أخبر على ما كان من غير أن اختلف إلى واحد ، أو أعلمه أحد من البشر على علم منهم ذلك ، دل أنه إنما علم ذلك بالله جل وعلا .

والثالث : أن يتأمل وجه الصفوة لهم أنهم بم نالوه ، واجتهدوا{[3833]} في ذلك ؟ والله أعلم . وفي ذلك تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى أن ظهر ذلك بإلقاء الأقلام .

وقوله تعالى : { وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم } الآية : قيل : إنهم ألقوا أقلامهم على جرية الماء ، فذهب الأقلام كلها مع الجرية إلا قلم زكريا فإنه وقف على وجه الماء ، وقيل : طرحوا أقلامهم في الماء ، وكان شرطهم أن من صعد قلمه عاليا{[3834]} مع الجرية فهو أحق بها ، ومن سفل قلمه مع الجزية فهو المقروع ، فصعد قلم زكريا ، وتسفلت أقلامهم ، فعند ذلك ضمها زكريا إلى نفسه .

ثم من الناس من احتج بجواز القرعة والعمل بها بهذه الآية حين ضم زكريا مريم إلى نفسه كما خرجت القرعة ، لكن القرعة في الأنبياء لتبيين الأحق من غيره لوجهين :

[ أحدهما ] لحق الوحي .

والثاني : لظهور إعلام في نفس القرعة ما نعلم أنه كان بالله ذلك لا بنفسه ، كارتفاع على الماء ، ومثل ذلك لا يكون للقلم والمحق من المبطل وفي ما بين سائر الخلق لدفعهم التهم ، فهي لا تدفع أبدا .

ويحتمل استعمال القرعة فيها لتطييب الأنفس بذلك بالوحي فليس اليوم وحي ، لذلك بطل الاستدلال بجواز العمل بالقرعة اليوم ، والله أعلم . وكان ذلك آية ، والآية لا يقاس عليها غيرها ، نحو قبول [ قول ]{[3835]} قتيل بني إسرائيل آية ، ليس به معتبر{[3836]} في جواز [ قبول قول كل قتيل ]{[3837]} آخر قبل الموت .


[3831]:الهاء ساقطة من الأصل وم.
[3832]:من م، في الأصل: عند ذلك.
[3833]:في الأصل وم: فجهدوا.
[3834]:من م، في الأصل: غالبا به.
[3835]:ساقطة من الأصل وم.
[3836]:في الأصل وم: معبر.
[3837]:في م: قبول، في الأصل: قول، والإشارة إلى قوله {اضربوا ببعضها} [بالبقرة: 73].