الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (44)

{ ذلك } إشارة إلى ما سبق من نبإ زكريا ويحيى ومريم وعيسى عليهم السلام ، يعني أن ذلك من الغيوب التي لم تعرفها إلا بالوحي .

فإن قلت : لم نفيت المشاهدة وانتفاؤها معلوم بغير شبهة ؟ وترك نفي استماع الأنباء من حفاظها وهو موهوم ؟ قلت : كان معلوماً عندهم علماً يقيناً أنه ليس من أهل السماع والقراءة وكانوا منكرين للوحي ، فلم يبق إلا المشاهدة وهي في غاية الاستبعاد والاستحالة ، فنفيت على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي مع علمهم بأنه لا سماع له ولا قراءة . ونحوه { وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربى } [ القصص : 44 ] ، { وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور } [ القصص : 46 ] ، { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ } [ يوسف : 102 ] { أقلامهم } أزلامهم وهي قداحهم التي طرحوها في النهر مقترعين . وقيل : هي الأقلام التي كانوا يكتبون بها التوراة ، اختاروها للقرعة تبركا بها { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } في شأنها تنافساً في التكفل بها .

فإن قلت : { أَيُّهُمْ يَكْفُلُ } بم يتعلق ؟ قلت : بمحذوف دلّ عليه يلقون أقلامهم ، كأنه قيل : يلقونها ينظرون أيهم يكفل ، أو ليعلموا ، أو يقولون .