النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ذَٰلِكَ مِنۡ أَنۢبَآءِ ٱلۡغَيۡبِ نُوحِيهِ إِلَيۡكَۚ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ أَيُّهُمۡ يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يَخۡتَصِمُونَ} (44)

قوله تعالى : { ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ } يعني ما كان من البشرى بالمسيح .

{ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } وأصل الوحي إلقاء المعنى إلى صاحبه ، والوحي إلى الرسل الإلقاء بالإنزال ، وإلى النحل بالإلهام ، ومن بعض إلى بعض بالإشارة ، كما قال تعالى : { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيٍّا } . قال العجاج :

………………………… . *** أوحى لها القرار فاستقرّت

{ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ } فيه قولان :

أحدهما : أنهم تشاجروا عليها وتنازعوا فيها طلباً لكفالتها ، فقال زكريا : أنا أحق بها لأن خالتها عندي ، وقال القوم : نحن أحق بها لأنها بنت إمامنا وعالمنا ، فاقترعوا عليها بإلقاء أقلامهم وهي القداح مستقبلة لجرية الماء ، فاستقبلت عصا زكريا لجرية الماء مصعدة ، وانحدرت أقلامهم{[537]} فقرعهم زكريا ، وهو معنى قوله تعالى : { وَكَفلَهَا } وهذا قول ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، والربيع .

والقول الثاني : أنهم تدافعوا كفالتها لأن زكريا قد كان كفل بها من غير اقتراع ، ثم لحقهم أزمة ضعف بها عن حمل مؤنتها ، فقال للقوم : ليأخذها أحدكم فتدافعوا كفالتها وتمانعوا منها ، فأقرع بينهم وبين نفسه فخرجت القرعة له ، وهذا قول سعيد .


[537]:- المعنى أنهم عندما ألقوا أقلامهم في الماء جرت مع الماء بينما وقف قلم زكريا فكسب القرعة وفاز بكفالة مريم. وهذا دليل على أن القرعة جائزة شرعا. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع بين زوجاته إذا أراد سفرا.