{ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ } والأدعياء ، الولد الذي كان الرجل يدعيه ، وهو ليس له ، أو يُدْعَى إليه ، بسبب تبنيه إياه ، كما كان الأمر بالجاهلية ، وأول الإسلام .
فأراد اللّه تعالى أن يبطله ويزيله ، فقدم بين يدي ذلك بيان قبحه ، وأنه باطل وكذب ، وكل باطل وكذب ، لا يوجد في شرع اللّه ، ولا يتصف به عباد اللّه .
يقول تعالى : فاللّه لم يجعل الأدعياء الذين تدعونهم ، أو يدعون إليكم ، أبناءكم ، فإن أبناءكم في الحقيقة ، من ولدتموهم ، وكانوا منكم ، وأما هؤلاء الأدعياء من غيركم ، فلا جعل اللّه هذا كهذا .
{ ذَلِكُمْ } القول ، الذي تقولون في الدعي : إنه ابن فلان ، الذي ادعاه ، أو والده فلان { قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ } أي : قول لا حقيقة له ولا معنى له .
{ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ } أي : اليقين والصدق ، فلذلك أمركم باتباعه ، على قوله وشرعه ، فقوله ، حق ، وشرعه حق ، والأقوال والأفعال الباطلة ، لا تنسب إليه بوجه من الوجوه ، وليست من هدايته ، لأنه لا يهدي إلا إلى السبيل المستقيمة ، والطرق الصادقة .
وإن كان ذلك واقعًا بمشيئته ، فمشيئته عامة ، لكل ما وجد من خير وشر .
ثم صرح لهم بترك الحالة الأولى ، المتضمنة للقول الباطل فقال : { ادْعُوهُمْ } أي : الأدعياء { لِآبَائِهِمْ } الذين ولدوهم { هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ } أي : أعدل ، وأقوم ، وأهدى .
{ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ } الحقيقيين { فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } أي : إخوتكم في دين اللّه ، ومواليكم في ذلك ، فادعوهم بالأخوة الإيمانية الصادقة ، والموالاة على ذلك ، فترك الدعوة إلى من تبناهم حتم ، لا يجوز فعلها .
وأما دعاؤهم لآبائهم ، فإن علموا ، دعوا إليهم ، وإن لم يعلموا ، اقتصر على ما يعلم منهم ، وهو أخوة [ الدين ]{[689]} والموالاة ، فلا تظنوا أن حالة عدم علمكم بآبائهم ، عذر في دعوتهم إلى من تبناهم ، لأن المحذور لا يزول بذلك .
{ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } بأن سبق على لسان أحدكم ، دعوته إلى من تبناه ، فهذا غير مؤاخذ به ، أو علم أبوه ظاهرًا ، [ فدعوتموه إليه ]{[690]} وهو في الباطن ، غير أبيه ، فليس{[691]} عليكم في ذلك حرج ، إذا كان خطأ ، { وَلَكِنْ } يؤاخذكم { بِمَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } من الكلام ، بما لا يجوز . { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } غفر لكم ورحمكم ، حيث لم يعاقبكم بما سلف ، وسمح لكم بما أخطأتم به ، ورحمكم حيث بيَّن لكم أحكامه التي تصلح دينكم ودنياكم ، فله الحمد تعالى .
قوله تعالى : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا }
نزلت هذه الآية في زيد بن حارثة كما بيناه آنفا . وفي ذلك كان ابن عمر يقول : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . وهذا يدل على أن التبني كان معمولا به في الجاهلية وبعض من الوقت في الإسلام . وكانوا يتوارثون به ويتناصرون حتى نسخ الله ذلك بقوله : { ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ }
أي انسبوا هؤلاء الأدعياء الذين ألحقتم أنسابهم بكم – لآبائهم . فوجب بذلك أن يُنسب زيد لأبيه حارثة ، فلا يدعي : زيد بن محمد . وذلك عند الله أعدل وأصوب وأصدق من دعائكم إياهم لغير آبائهم .
قوله : { فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } يعني إذا لم تعلموا من هم أدعيائكم لتنسبوهم إليهم فهم إخوانكم في الدين ؛ أي ينادي أحدكم الدعي بقوله : يا أخي . والمقصود أخوة العقيدة والدين لا أخوة النسب . { وَمَوَالِيكُمْ } أي أولياؤكم في الدين . فليقل أحدكم : هذا أخي وهذا مولاي . ويا أخي ويا مولاي ، يريد بذلك الأخوة في الدين والولاية فيه .
قوله : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي لا بأس عليكم ، ولا إثم فيما وقعتم فيه من الخطأ بنسبة بعض الأدعياء إلى آبائهم وأنتم تحسبون أنهم أبناؤهم وهم في الحقيقة أبناء لغيرهم . فلو دعوت رجلا إلى غير أبيه وأنت ترى أنه أبوه فلا بأس عليك في ذلك .
قوله : { وَلَكِنْ مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } { مَّا } ، في موضع رفع على الابتداء . وتقديره : ولكن ما تعمدت قلوبكم يؤاخذكم به . وقيل : في موضع جر بالعطف على { مَّا } في قوله تعالى : { فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } {[3693]}
والمعنى : ولكن الإثم والحرج عليكم فيما نسبتموه إلى غير أبيه ، وأنتم تعلمون أنه ابن لغير ما تنتسبونه إليه .
قوله : { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } الله يستر الذنب على من ظاهر زوجته فقال الباطل والزور من القول ، وكذلك يستره على من ادعى ولد غيره ابنا له ، إذا تابا وأنابا وانتهيا عن قول المنكر والزور من الكلام . الله جل وعلا يتجاوز بفضله عن سيئاتهما ويرحمهما برحمته فلا يعاقبهما على ما بدر منهما بعد توبتهما{[3694]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.