وليس إقسامهم المذكور ، لقصد حسن ، وطلب للحق ، وإلا لوفقوا له ، ولكنه صادر عن استكبار في الأرض على الخلق ، وعلى الحق ، وبهرجة في كلامهم هذا ، يريدون به المكر والخداع ، وأنهم أهل الحق ، الحريصون على طلبه ، فيغتر به المغترون ، ويمشي خلفهم المقتدون .
{ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ } الذي مقصوده مقصود سيئ ، ومآله وما يرمي إليه سيئ باطل { إِلَّا بِأَهْلِهِ } فمكرهم إنما يعود عليهم ، وقد أبان اللّه لعباده في هذه المقالات وتلك الإقسامات ، أنهم كذبة في ذلك مزورون ، فاستبان خزيهم ، وظهرت فضيحتهم ، وتبين قصدهم السيئ ، فعاد مكرهم في نحورهم ، ورد اللّه كيدهم في صدورهم .
فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب ، الذي هو سنة اللّه في الأولين ، التي لا تبدل ولا تغير ، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد ، أن يحل به نقمته ، وتسلب عنه نعمته ، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء ، ما فعل بأولئك .
{ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ } { اسْتِكْبَارًا } مفعول له{[3881]} أي لم يزدهم مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم إلا نفورا { اسْتِكْبَارًا } أي علوا في الأرض وعتوّا عن أمر الله { وَمَكْرَ السَّيِّئِ } مكر ، منصوب على المصدر{[3882]} والمكر ههنا بمعنى الشرك . أي مكروا مكر السيئ وهو الكفر وصد الناس عن الإيمان . وبذلك قد مكروا بالناس بصدهم عن دين الله .
قوله : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } يحيق بمعنى ينزل أو يحيط ؛ أي لا تنزل عاقبة الظلم إلا بالظالم نفسه . أو لا ينزل وبال المكر السيئ إلا بالذين يمكرونه . فلا يحل مكروه ذلك المكر إلا بهؤلاء المشركين الماكرين .
ويُفهم من ذلك التنبيه على مجانبة الخداع والمكر والخيانة . فإن هذا الدين قائم على طُهر السريرة من الأرجاس النفيسة كالغل والحسد والغدر والخديعة . فإن هذه خسائس ليست من أخلاق المؤمنين الذين التزموا الإسلام عقيدة ومنهاجا . بل إن تلكم من أخلاق الكافرين والمنافقين والمرائين والماكرين .
قوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ } المراد بسنة الله ، إنزال العقاب بالمكذبين المدبرين العصاة . وهذا تهديد من الله يتوعد به كل أمة تعرض عن صراطه المستقيم وتضل عاتية مستكبرة ، فإنه مصيبها من العقاب المدمِّر ما أصاب السابقين الجاحدين . وهو قوله : { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ } أي هل ينتظر هؤلاء المشركين الجاحدون إلا أن يحيط بهم عذاب الله كما أحاط بالمكذبين من قبلهم .
وهذه سنة الله في العتاة العصاة الذين يخالفون عن أمره .
قوله : { فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } أي جعل الله العقاب في المخالفين الجاحدين سنة مقدورة فيهم بسبب تكذيبهم وعصيانهم . وهي سنة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا } أي لا تحويل لسنة الله في عقاب الظالمين المجرمين ، فهو حائق بهم ولن يتحول عنهم إلى غيرهم{[3883]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.