{ 25-27 } { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ * ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ }
يقول تعالى : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ } وهي الأدلة والشواهد والعلامات الدالة على صدق ما جاءوا به وحقيته .
{ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ } وهو اسم جنس يشمل سائر الكتب التي أنزلها الله لهداية الخلق وإرشادهم ، إلى ما ينفعهم في دينهم ودنياهم ، { وَالْمِيزَانَ } وهو العدل في الأقوال والأفعال ، والدين الذي جاءت به الرسل ، كله عدل وقسط في الأوامر والنواهي وفي معاملات الخلق ، وفي الجنايات والقصاص والحدود [ والمواريث وغير ذلك ] ، وذلك { لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } قياما بدين الله ، وتحصيلا لمصالحهم التي لا يمكن حصرها وعدها ، وهذا دليل على أن الرسل متفقون في قاعدة الشرع ، وهو القيام بالقسط ، وإن اختلفت أنواع العدل ، بحسب الأزمنة والأحوال ، { وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } من آلات الحرب ، كالسلاح والدروع وغير ذلك .
{ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وهو ما يشاهد من نفعه في أنواع الصناعات والحرف ، والأواني وآلات الحرث ، حتى إنه قل أن يوجد شيء إلا وهو يحتاج إلى الحديد .
{ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ } أي : ليقيم تعالى سوق الامتحان بما أنزله من الكتاب والحديد ، فيتبين من ينصره وينصر رسله في حال الغيب ، التي ينفع فيها الإيمان قبل الشهادة ، التي لا فائدة بوجود الإيمان فيها ، لأنه حينئذ يكون ضروريا .
{ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : لا يعجزه شيء ، ولا يفوته هارب ، ومن قوته وعزته أن أنزل الحديد الذي منه الآلات القوية ، ومن قوته وعزته أنه قادر على الانتصار من أعدائه ، ولكنه يبتلي أولياءه بأعدائه ، ليعلم من ينصره بالغيب ، وقرن تعالى في هذا{[996]} الموضع بين الكتاب والحديد ، لأن بهذين الأمرين ينصر الله دينه ، ويعلي كلمته بالكتاب الذي فيه الحجة والبرهان والسيف الناصر بإذن الله ، وكلاهما قيامه بالعدل والقسط ، الذي يستدل به على حكمة الباري وكماله ، وكمال شريعته التي شرعها على ألسنة رسله .
قوله تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز } يبين الله للناس أنه أرسل إليهم رسلا لهدايتهم وقد أرسل معهم الدلائل والحجج من معجزات وأحكام . وكذلك أنزل الله الحديد ليتخذ منه المؤمنون السلاح فيردوا كيد الظالمين المجرمين ، وليدفعوا عن أنفسهم وعن دينهم عدوان المعتدين وطغيان المفسدين المتجبرين . وهو قوله : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات } أي بالمعجزات الباهرة والدلائل الظاهرة { وأنزلنا معهم الكتاب } أي الكتب التي فيها أخبار الآخرة وشرائع الدين { والميزان } أي العدل { ليقوم الناس بالقسط } يعني ليقوم الناس بينهم ، في معاملاتهم وشؤونهم بالحق والعدل .
قوله : { وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد } خلق الله الحديد ليصنع منه المسلمون ما يتقوون به ويعظم به بأسهم وشوكتهم وهو السلاح فيكفّون عن أنفسهم الشر والضّرّ والعدوان . وذلك عقب البيان للمشركين والتوضيح لهم بالحكمة والأسلوب الحسن أن منهج الله لهو الحق وأن ما دونه من مناهج لهي الضلال والباطل ، كيما يصدقوا ويوقنوا وتستقيم أحوالهم وأوضاعهم وتصلح حياتهم ومعايشهم ، فإذا لم تجد أسباب الحجة والبرهان في إقناعهم ودفع عدوانهم وكيدهم عن الإسلام والمسلمين فما حيلة المسلمين بعد ذلك إلا أن يزجروا المعتدين الأشرار بالحديد وما يستفاد منه من مختلف أصناف السلاح وفقا للأحوال والأعراف والظروف التي تتغير وتتطور . فقد كانت السيوف والأسنّة عماد الآلات للحرب في الأزمنة السالفة . أما في العصر الراهن فليس من بد من الاستفادة من الحديد في المخترعات الحديثة ومنها آلالات الحرب المستعملة في البر والبحر والجو . وإذا تخلف المسلمون في الاستفادة من الحديد وتطويره لأحدث الأسلحة النافعة الرادعة حتى فاتهم المشركون الظالمون ، واستغفلهم الطغاة والمعتدون ، فليس للمسلمين بعد ذلك إلا أن يلوموا أنفسهم ، ثم يعاودوا محاسبة أنفسهم في تخلّفهم وتقصيرهم وتفريطهم حتى إذا استحرّت فيهم حرارة العقيدة ، وهاجت في ضمائرهم جذوة العزم والجد والغيرة والحماسة انتقلوا بأنفسهم أعظم نقلة كيما يزهقوا الباطل ويدمروا الطغيان والشر تدميرا ويعرضوا ما فاتهم من تقصير وتفريط .
قوله : { ومنافع للناس } منافع الحديد المستفادة كثيرة وهي مما يستعمله الناس في بيوتهم من الأواني ، وفي مصانعهم ومزارعهم من آلالات والمعدات على اختلاف أشكالها ومنافعها ومسمياتهم .
قوله : { وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب } معطوف على قوله : { ليقوم الناس بالقسط } أي أرسل الله رسله للناس وأنزل معهم الكتب والحق والعدل وجعل لهم من الحديد ما فيه سلاح وبأس ليستبين المؤمنون الذين ينصرون الله ورسله بالغيب عنهم . أي وهم لا يرونهم . قال ابن عباس : ينصرونه ولا يبصرونه { إن الله قوي عزيز } الله قوي على أخذ من خالفه وبارزه بالمعصية والظلم وشاقّه بالجحود والعتو والفسق عن دينه وشرعه { عزيز } أي منيع الجانب لا يغلبه غالب{[4467]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.