تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

ثم ذكر صفة ظلمهم فقال : { الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } أي : ألجئوا إلى الخروج بالأذية والفتنة { بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا } أن ذنبهم الذي نقم منهم أعداؤهم { أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } أي : إلا أنهم وحدوا الله ، وعبدوه مخلصين له الدين ، فإن كان هذا ذنبا ، فهو ذنبهم كقوله تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } وهذا يدل على حكمة الجهاد ، وأن المقصود منه إقامة دين الله ، وذب الكفار المؤذين للمؤمنين ، البادئين لهم بالاعتداء ، عن ظلمهم واعتدائهم ، والتمكن من عبادة الله ، وإقامة الشرائع الظاهرة ، ولهذا قال : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ } فيدفع الله بالمجاهدين في سبيله ضرر الكافرين ، { لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ } أي : لهدمت هذه المعابد الكبار ، لطوائف أهل الكتاب ، معابد اليهود والنصارى ، والمساجد للمسلمين ، { يُذْكَرَ فِيهَا } أي : في هذه المعابد { اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا } تقام فيها الصلوات ، وتتلى فيها كتب الله ، ويذكر فيها اسم الله بأنواع الذكر ، فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لاستولى الكفار على المسلمين ، فخربوا معابدهم ، وفتنوهم عن دينهم ، فدل هذا ، أن الجهاد مشروع ، لأجل دفع الصائل والمؤذي ، ومقصود لغيره ، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله ، وعمرت مساجدها ، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها ، من فضائل المجاهدين وببركتهم ، دفع الله عنها الكافرين ، قال الله تعالى : { وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }

فإن قلت : نرى الآن مساجد المسلمين عامرة لم تخرب ، مع أنها كثير منها إمارة صغيرة ، وحكومة غير منظمة ، مع أنهم لا يدان لهم بقتال من جاورهم من الإفرنج ، بل نرى المساجد التي تحت ولايتهم وسيطرتهم عامرة ، وأهلها آمنون مطمئنون ، مع قدرة ولاتهم من الكفار على هدمها ، والله أخبر أنه لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ، لهدمت هذه المعابد ، ونحن لا نشاهد دفعا .

أجيب بأن هذا السؤال والاستشكال ، داخل في عموم هذه الآية وفرد من أفرادها ، فإن من عرف أحوال الدول الآن ونظامها ، وأنها تعتبر كل أمة وجنس تحت ولايتها ، وداخل في حكمها ، تعتبره عضوا من أعضاء المملكة ، وجزء من أجزاء الحكومة ، سواء كانت تلك الأمة مقتدرة بعددها أو عددها ، أو مالها ، أو عملها ، أو خدمتها ، فتراعي الحكومات مصالح ذلك الشعب ، الدينية والدنيوية ، وتخشى إن لم تفعل ذلك أن يختل نظامها ، وتفقد بعض أركانها ، فيقوم من أمر الدين بهذا السبب ما يقوم ، خصوصا المساجد ، فإنها -ولله الحمد- في غاية الانتظام ، حتى في عواصم الدول الكبار .

وتراعي تلك الدول الحكومات المستقلة ، نظرا لخواطر رعاياهم المسلمين ، مع وجود التحاسد والتباغض بين دول النصارى ، الذي أخبر الله أنه لا يزال إلى يوم القيامة ، فتبقى الحكومة المسلمة ، التي لا تقدر تدافع عن نفسها ، سالمة من [ كثير ]{[538]} ضررهم ، لقيام الحسد عندهم ، فلا يقدر أحدهم أن يمد يده عليها ، خوفا من احتمائها بالآخر ، مع أن الله تعالى لا بد أن يري عباده من نصر الإسلام والمسلمين ، ما قد وعد به في كتابه .

وقد ظهرت -ولله الحمد- أسبابه [ بشعور المسلمين بضرورة رجوعهم إلى دينهم والشعور مبدأ العمل ]{[539]} فنحمده ونسأله أن يتم نعمته ، ولهذا قال في وعده الصادق المطابق للواقع : { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ } أي : يقوم بنصر دينه ، مخلصا له في ذلك ، يقاتل في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا .

{ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } أي : كامل القوة ، عزيز لا يرام ، قد قهر الخلائق ، وأخذ بنواصيهم ، فأبشروا ، يا معشر المسلمين ، فإنكم وإن ضعف عددكم وعددكم ، وقوي عدد عدوكم وعدتهم{[540]} فإن ركنكم القوي العزيز ، ومعتمدكم على من خلقكم وخلق ما تعملون ، فاعملوا بالأسباب المأمور بها ، ثم اطلبوا منه نصركم ، فلا بد أن ينصركم .


[538]:- زيادة من هامش ب.
[539]:- زيادة من هامش ب.
[540]:- في أ: وعدتكم، وهو سبق قلم -والله أعلم- .
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40)

{ الذين أُخْرِجُواْ مِن ديارهم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله }

بدل من { الذين يقاتلون } [ الحج : 39 ] ، وفي إجراء هذه الصلة عليهم إيماء إلى أن المراد بالمقاتلة الأذى ، وأعظمه إخراجهم من ديارهم كما قال تعالى : { والفتنة أشد من القتل } [ البقرة : 191 ] .

و { بغير حق } حال من ضمير { أخرجوا ، } أي أخرجوا متلبسين بعدم الحق عليهم الموجِب إخراجهم ، فإن للمرء حقاً في وطنه ومعاشرة قومه ، وهذا الحق ثابت بالفطرة لأن من الفطرة أن الناشىء في أرض والمتولَّد بين قوم هو مساوٍ لجميع أهل ذلك الموطن في حق القرار في وطنهم وبين قومهم بالوجه الذي ثبت لجمهورهم في ذلك المكان من نشأة متقادمة أو قهر وغلبة لسكانه ، كما قال عمر بن الخطاب : « إنها لِبلاَدُهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام » . ولا يزول ذلك الحق إلاّ بموجب قرره الشرّع أو العوائد قبل الشرع . كما قال زُهير :

فإن الحق مقطعه ثلاث *** يمينٌ أو نِفار أو جَلاء

فمن ذلك في الشرائع التغريب والنّفي ، ومن ذلك في قوانين أهل الجاهلية الجلاء والخَلع ، وإنما يكون ذلك لاعتداء يعتديه المرء على قومه لا يجدون له مسلكاً من الردع غير ذلك .

ولذلك قال تعالى : { بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله } فإن إيمانهم بالله لا ينجر منه اعتداء على غيرهم إذ هو شيء قاصر على نفوسهم والإعلان به بالقول لا يضر بغيرهم . فالاعتداء عليهم بالإخراج من ديارهم لأجل ذلك ظلم بَواح واستخدام للقوة في تنفيذ الظلم .

والاستثناء في قوله : { إلا أن يقولوا ربنا الله } استثناء من عموم الحق ، ولما كان المقصود من الحق حقاً يوجب الإخراج ، أي الحقَّ عليهم ، كان هذا الاستثناء مستعملاً على طريقة الاستعارة التهكمية ، أي إن كان عليهم حق فهو أن يقولوا ربنا الله ، فيستفاد من ذلك تأكيد عدم الحق عليهم بسبب استقراء ما قد يُتخيّل أنه حق عليهم . وهذا من تأكيد الشيء بما يوهم نقضه . ويسمى عند أهل البديع تأكيد المدح بما يشبه الذم ، وشاهده قول النابغة :

ولا عَيب فيهم غير أنّ سيوفهم *** بِهِنّ فُلول من قِراع الكتائب

وهذه الآية لا محالة نزلت بالمدينة .

{ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صوامع وَبِيَعٌ وصلوات ومساجد يُذْكَرُ فِيهَا اسم الله كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ الله مَن يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ }

اعتراض بين جملة { أُذِن للذين يقاتلون } [ الحج : 39 ] الخ وبين قوله { الذين إن مكناهم في الأرض } [ الحج : 41 ] الخ . فلما تضمنت جملة { أذن للذين يقاتلون } [ الحج : 39 ] الخ الإذن للمسلمين بدفاع المشركين عنهم أُتبع ذلك ببيان الحكمة في هذا الإذن بالدفاع ، مع التنويه بهذا الدفاع ، والمتولّين له بأنه دفاع عن الحق والدين ينتفع به جميع أهل أديان التوحيد من اليهود والنصارى والمسلمين ، وليس هو دفاعاً لنفع المسلمين خاصة .

والواو في قوله { ولولا دفاع الله الناس } إلى آخره ، اعتراضية وتسمى واو الاستئناف ومفاد هذه الجملة تعليل مضمون جملة { أذن للذين يقاتلون } [ الحج : 39 ] الخ .

و { لولا } حرف امتناع لوجود ، أي حرف يدل على امتناع جوابه ، أي انتفائه لأجل وجود شرطه ، أي عند تحقق مضمون جملة شرطه فهو حرف يقتضي جملتين . والمعنى : لولا دفاع الناس عن مواضع عبادة المسلمين لصري المشركون ولتجاوزوا فيه المسلمين إلى الاعتداء على ما يجاور بلادهم من أهل الملل الأخرى المناوية لملّة الشرك ولهَدَموا مَعَابدهم من صوامع ، وبِيَععٍ ، وصلوات ، ومساجد ، يذكر فيها اسم الله كثيراً ، قصداً منهم لمحو دعوة التوحيد ومحقاً للأديان المخالفة للشرك . فذكر الصوامع ، والبِيَع ، إدماج لينتبهوا إلى تأييد المسلمين فالتّعريف في { النّاس } تعريف العهد ، أي الناس الذين يتقاتلون وهم المسلمون ومشركو أهل مكة .

ويجوز أن يكون المراد : لولا ما سبق قبل الإسلام من إذن الله لأمم التوحيد بقتال أهل الشرك ( كما قاتل داوود جالوت ، وكما تغلّب سليمان على مَلِكَة سبأ ) . لمَحق المشركون معالم التوحيد ( كما محق بختنصر هيكل سليمان ) فتكون هذه الجملة تذييلاً لجملة { أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا } [ الحج : 39 ] ، أي أذن للمسلمين بالقتال كما أذن لأمم قبلَهم لكيلا يطغى عليهم المشركون كما طغوا على من قبلهم حين لم يأذن الله لهم بالقتال ، فالتعريف في { الناس } تعريف الجنس .

وإضافة الدفاع إلى الله إسناد مجازي عقلي لأنه أذن للناس أن يدفعوا عن معابدهم فكان إذن الله سبب الدفع . وهذا يهيب بأهل الأديان إلى التألب على مقاومة أهل الشرك .

وقرأ نافع ، وأبو جعفر ، ويعقوب { دفاع . } وقرأ الباقون { دَفْع } بفتح الدال وبدون ألف . و { بعضهم } بدل من { الناسَ } بدل بعض . و { ببعض } متعلق ب { دفاع } والباء للآلة .

والهدم : تقويض البناء وتسقيطه .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو جعفر { لهُدِمت } بتخفيف الدال . وقرأه الباقون بتشديد الدال للمبالغة في الهدم ، أي لهدّمت هدْماً ناشئاً عن غيظ بحيث لا يبقون لها أثراً .

والصوامع : جمع صومعة بوزن فَوْعلة ، وهي بناء مستطيل مرتفع يصعُد إليه بدرج وبأعلاه بيت ، كان الرهبان يتّخذونه للعبادة ليكونوا بعداء عن مشاغلة الناس إياهم ، وكانوا يوقدون به مصابيح للإعانة على السهر للعبادة ولإضاءة الطريق للمارين . من أجل ذلك سُمّيت الصومعة المنارة . قال امرؤ القيس :

تضيء الظلام بالعشيّ كأنها *** مَنارة مُمْسَى رَاهب مُتَبتّل

والبِيَع : جمع بيعة بكسر الباء وسكون التحتية مكان عبادة النصارى ولا يعرف أصل اشتقاقها ، ولعلها معرّبة عن لغة أخرى .

والصلوات : جمع صلاة وهي هنا مراد بها كنائس اليهود معرّبة عن كلمة ( صلوثا ) ( بالمثلثة في آخره بعدها ألف ) . فلمّا عُربت جعلوا مكان المثلثة مثناة فوقية وجمعوها كذلك . وعن مجاهد ، والجحدري ، وأبي العالية ، وأبي رجاء أنهم قرأوها هنا { وصلواث } بمثلثة في آخره . وقال ابن عطية : قرأ عكرمة ، ومجاهد { صِلْويثا بكسر الصاد وسكون اللام وكسر الواو وقصر الألف بعد الثاء ( أي المثلثة كما قال القرطبي ) وهذه المادة قد فاتت أهل اللغة وهي غفلة عجيبة .

والمساجد : اسم لمحل السجود من كل موضع عبادة ليس من الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وقت نزول هذه الآية فتكون الآية نزلت في ابتداء هجرة المسلمين إلى المدينة حين بنَوا مسجدَ قباء ومسجد المدينة .

وجملة { يذكر فيها اسم الله كثيراً } صفة والغالب في الصفة الواردة بعد جمل متعاطفة فيها أن ترجع إلى ما في تلك الجمل من الموصوف بالصفة . فلذلك قيل برجوع صفة { يذكر فيها اسم الله } إلى { صوامع ، وبيع ، وصلوات ، ومساجد } للأربعة المذكورات قبلها وهي معاد ضمير { فيها .

وفائدة هذا الوصف الإيماء إلى أن سبب هدمها أنها يذكر فيها اسم الله كثيراً ، أي ولا تذكر أسماء أصنام أهل الشرك فإنهم لما أخرجوا المسلمين بلا سبب إلا أنهم يذكرون اسم الله فيقولون ربنا الله ، لِمَحْو ذكرِ اسم الله من بلدهم لا جرم أنهم يهدمون المواضع المجعولة لذكر اسم الله كثيراً ، أي دون ذكر الأصنام . فالكثرة مستعملة في الدوام لاستغراق الأزمنة ، وفي هذا إيماء إلى أن في هذه المواضع فائدة دينية وهي ذكر اسم الله .

قال ابن خويز منداد من أيمة المالكية ( من أهل أواخر القرن الرابع ) تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبِيَعهم وبيوت نارهم اه .

قلت : أما بيوت النار فلا تتضمن هذه الآية منع هدمها فإنها لا يذكر فيها اسم الله وإنما مَنع هدمَها عقدُ الذمة الذي ينعقد بين أهلها وبين المسلمين ، وقيل الصفة راجعة إلى مساجد خاصة .

وتقديم الصوامع في الذكر على ما بعده لأنّ صوامع الرهبان كانت أكثر في بلاد العرب من غيرها ، وكانت أشهر عندهم ، لأنهم كانوا يهتدون بأضوائها في أسفارهم ويأوون إليها ، وتعقيبها بذكر البيع للمناسبة إذ هي معابد النصارى مثل الصوامع . وأما ذكر الصلوات بعدهما فلأنه قد تهيأ المقام لذكرها ، وتأخير المساجد لأنها أعم ، وشأن العموم أن يعقب به الخصوص إكمالاً للفائدة .

وقوله { ولينصرن الله من ينصره } عطف على جملة { ولولا دفاع الله الناس } ، أي أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم . وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله ، فكأنهم نصروا الله ، ولذلك أكد الجملة بلام القسم ونون التوكيد . وهذه الجملة تذييل لما فيها من العموم الشامل للمسلمين الذين أخرجهم المشركون .

وجملة { إن الله لقوي عزيز } تعليل لجملة { ولينصرن الله من ينصره } ، أي كان نصرهم مضموناً لأنّ ناصرهم قدير على ذلك بالقوة والعزة . والقوة مستعملة في القدرة : والعزّة هنا حقيقة لأنّ العزّة هي المنعة ، أي عدم تسلّط غير صاحبها على صاحبها .

بدل من { الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق } وما بينهما اعتراض . فالمراد من { الذين إن مكناهم في الأرض } [ الحج : 41 ] المهاجرون فهو ثناء على المهاجرين وشهادة لهم بكمال دينهم . وعن عثمان : « هذا والله ثناء قبلَ بَلاء » ، أي قبل اختبار ، أي فهو من الإخبار بالغيب الذي علمه الله من حالهم . ومعنى { إن مكناهم في الأرض } [ الحج : 41 ] أي بالنصر الذي وعدناهم في قوله : { إن الله على نصرهم لقدير } [ الحج : 39 ] .