تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

ثم قال : { وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا } في ذهابهم إلى عدوهم { إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

ومن ذلك هذه الأعمال ، إذا أخلصوا فيها للّه ، ونصحوا فيها ، ففي هذه الآيات أشد ترغيب وتشويق للنفوس إلى الخروج إلى الجهاد في سبيل اللّه ، والاحتساب لما يصيبهم فيه من المشقات ، وأن ذلك لهم رفعة درجات ، وأن الآثار المترتبة على عمل العبد له فيها أجر كبير .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةٗ صَغِيرَةٗ وَلَا كَبِيرَةٗ وَلَا يَقۡطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمۡ لِيَجۡزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (121)

عطف على جملة { لا يصيبهم ظمأ } ، وهو انتقال من عداد الكُلف التي تصدر عنهم بلا قصد في سبيل الله إلى بعض الكلف التي لا تخلو عن استشعار من تحِل بهم بأنهم لقُوها في سبيل الله ، فالنفقة في سبيل الله لا تكون إلا عن قصد يتذكر به المنفق أنه يسعى إلى ما هو وسيلة لِنصر الدين ، والنفقةُ الكبيرة أدخل في القصد ، فلذلك نبه عليها وعلى النفقة الصغيرة ليعلم بذكر الكبيرة حكم النفقة الصغيرة لأن العلة في الكبيرة أظهر وكان هذا الإطناب في عد مناقبهم في الغزو لتصوير ما بذلوه في سبيل الله .

وقطع الوادي : هو اجتيازه . وحقيقة القطع : تفريق أجزاء الجسم . وأطلق على الاجْتياز على وجه الاستعارة .

والوادي : المنفرج يكون بين جبال أو إكام فيكون منفذاً لسيول المياه ، ولذلك اشتق من ودى بمعنى سال . وقطع الوادي أثناءَ السير من شأنه أن يتذكر السائرون بسببه أنهم سائرون إلى غرض مَّا لأنه يجدد حالة في السير لم تكن من قبل . ومن أجل ذلك نُدب الحجيجُ إلى تجديد التلبية عندما يصعدون شرفاً أو ينزلون وادياً أو يلاقون رفاقاً .

والضمير في { كُتب } عائد إلى { عمل صالح } [ التوبة : 120 ] . ولام التعليل متعلقة ب ( كتب ) ، أي كتب الله لهم صالحاً ليجزيهم عن أحسن أعمالهم .

ولما كان هذا جزاء عن عملهم المذكور علم أن عملهم هذا من أحسن أعمالهم .

وانتصب { أحسنَ } على نزع الخافض ، أي عن أحسنِ ما كانوا يعملون أو بأحسن ما كانوا يعملون كقوله تعالى : { ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدَهم من فضله } [ النور : 38 ] وأما قوله : { ليجزيك أجر ما سقيت لنا } [ القصص : 25 ] فالظاهر أنه من غير هذا القبيل وأن ( أجر ) مفعول مطلق .

وفي ذكر { كانوا } والإتيان بخبرها مضارعاً إفادةُ أن مثل هذا العمل كان ديدنهم .