تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا} (70)

{ 70 } { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا }

وهذا من كرمه عليهم وإحسانه الذي لا يقادر قدره حيث كرم بني آدم بجميع وجوه الإكرام ، فكرمهم بالعلم والعقل وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وجعل منهم الأولياء والأصفياء وأنعم عليهم بالنعم الظاهرة والباطنة .

{ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ } على الركاب من الإبل والبغال والحمير والمراكب البرية . { وَ } في { الْبَحْرِ } في السفن والمراكب { وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } من المآكل والمشارب والملابس والمناكح . فما من طيب تتعلق به حوائجهم إلا وقد أكرمهم الله به ويسره لهم غاية التيسير .

{ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا } بما خصهم به من المناقب وفضلهم به من الفضائل التي ليست لغيرهم من أنواع المخلوقات .

أفلا يقومون بشكر من أولى النعم ودفع النقم ولا تحجبهم النعم عن المنعم فيشتغلوا بها عن عبادة ربهم بل ربما استعانوا بها على معاصيه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا} (70)

{ كرمنا } تضعيف كرم ، فالمعنى : جعلنا لهم كرماً ، أي شرفاً وفضلاً ، وهذا هو كرم نفي النقصان ، لا كرم المال ؛ وإنما هو كما تقول : ثوب كريم ، أي جمة محاسنه .

قال القاضي أبو محمد : رضي الله عنه : وهذه الآية ، عدد الله تعالى فيها على بني آدم ما خصهم به من بين سائر الحيوان ، والحيوان والجن هو الكثير المفضول ، والملائكة هم الخارجون عن الكثير المفضول ، وحملهم { في البر والبحر } ، مما لا يصلح لحيوان سوى بني آدم أن يكون يحمل بإرادته وقصده وتدبيره { في البر والبحر } جميعاً ، والرزق { من الطيبات } ، ولا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم ، لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان ، ويلبسون الثياب ، ويأكلون المركبات من الأطعمة ، وغاية كل حيوان أن يأكل لحماً نياً ، أو طعاماً غير مركب ، و «الرزق » ، كل ما صح الانتفاع به ، وحكى الطبري عن جماعة أنهم قالوا : «التفضيل » هو أن يأكل بيديه وسائر الحيوان بالفم ، وقال غيره : وأن ينظر من إشراف أكثر من كل حيوان ، ويمشي قائماً ، ونحو هذا من التفضيل ، وهذا كله غير محذق{[7636]} وذلك للحيوان من هذا النوع ما كان يفضل به ابن آدم ، كجري الفرس ، وسمعه ، وإبصاره ، وقوة الفيل ، وشجاعة الأسد وكرم الديك ، وإنما التكريم والتفضيل بالعقل الذي يملك به الحيوان كله ، وبه يعرف الله عز وجل ، ويفهم كلامه ، ويوصل إلى نعيمه ، وقالت فرقة : هذه الآية تقضي بفضل الملائكة على الإنس ، من حيث هم المستثنون ، وقد قال تعالى { ولا الملائكة المقربون }{[7637]} وهذا غير لازم من الآية بل التفضيل بين الإنس والجن لم تعن به الآية ، بل يحتمل أن الملائكة أفضل ، ويحتمل التساوي ، وإنما صح تفضيل الملائكة من مواضعٍ أخر من الشرع .


[7636]:يريد: غير قاطع في معناه، أو لا يدل على مهارة صاحبه وحذقه.
[7637]:من الآية (172) من سورة (النساء).