لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{۞وَلَقَدۡ كَرَّمۡنَا بَنِيٓ ءَادَمَ وَحَمَلۡنَٰهُمۡ فِي ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِ وَرَزَقۡنَٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنۡ خَلَقۡنَا تَفۡضِيلٗا} (70)

قوله تعالى : { ولقد كرمنا بني آدم } قال ابن عباس : هو أنهم يأكلون بالأيدي وغير الآدمي يأكل بفيه من الأرض وقال أيضاً بالعقل وقيل بالنطق والتمييز والخط والفهم ، وقيل باعتدال القامة وامتدادها وقيل بحسن الصورة وقيل : الرجل باللحى والنساء بالذوائب . وقيل : بتسليطهم على جميع ما في الأرض وتسخيره لهم وقيل : بحسن تدبيرهم أمر المعاش والمعاد . وقيل بأن منهم خير أمة أخرجت للناس { وحملناهم في البر } أي على الإبل والخيل والحمير { والبحر } أي وحملناهم في البحر على السفن ، وهذا من مؤكدات التكريم لأن الله تعالى سخر لهم هذه الأشياء لينتفعوا بها ، ويستعينوا بها على مصالحهم { ورزقناهم من الطيبات } يعني لذيذ المطاعم والمشارب وقيل الزبد والتمر والحلواء ، وجعل رزق غيرهم مما لا يخفى ، وقيل : إن جميع الأغذية إما نباتية وإما حيوانية ولا يتغذى الإنسان إلا بأطيب القسمين بعد الطبخ الكامل والنضج التام ولا يحصل هذا لغير الإنسان { وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً } واعلم أن الله تعالى قال في أول الآية : ولقد كرمنا بني آدم وفي آخرها وفضلناهم ، ولا بد من الفرق بين التكريم والتفضيل والإلزام التكرار والأقرب أن يقال : إن الله تعالى كرم الإنسان على سائر الحيوان بأمور خلقية ذاتية طبيعية ، مثل العقل والنطق والخط وحسن الصورة ، ثم إنه سبحانه وتعالى عرفه بواسطة ذلك العقل والفهم اكتساب العقائد الصحيحة والأخلاق الفاضلة ، فالأول هو التكريم والثاني هو التفضيل . ثم قال سبحانه وتعالى : على كثير ممن خلقنا تفضيلاً . ظاهر الآية يدل على أنه فضل بني آدم على كثير ممن خلق لا على الكل فقال : قوم فضلوا على جميع الخلق إلا على الملائكة وهذا مذهب المعتزلة . وقال الكلبي : فضلوا على الخلائق كلهم إلا على طائفة من الملائكة مثل جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزائيل وأشباههم . وقيل : فضلوا على جميع الخلائق وعلى الملائكة كلهم . فإن قلت : كيف تصنع بكثير ؟ قلت : يوضع الأكثر موضع الكل كقوله تعالى { يلقون السمع وأكثرهم كاذبون } أراد كلهم وفي الحديث عن جابر يرفعه قال : « لما خلق الله آدم وذريته قالت الملائكة يا رب خلقتهم يأكلون ويشربون وينكحون فاجعل لهم الدنيا ، ولنا الآخرة فقال : لا أجعل من خلقته بيدي ونفخت فيه من روحي كمن قلت له كن فكان » وقيل بالتفضيل وهو الأولى والراجح أن خواص بني آدم وهم الأنبياء أفضل من خواص الملائكة ، وعوام الملائكة أفضل من عوام البشر من بني آدم ، وهذا التفضيل إنما هو بين الملائكة والمؤمنين من بني آدم لأن الكفار لا حرمة لهم قال الله سبحانه وتعالى { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية } وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : المؤمن أكرم على الله تعالى من الملائكة الذين عنده .