{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } هذا إجمال لذكر النعمة التي أنعم الله بها على بني آدم أي : كرّمناهم جميعاً ، وهذه الكرامة يدخل تحتها خلقهم على هذه الهيئة الحسنة وتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس على وجه لا يوجد لسائر أنواع الحيوان مثله . وحكى ابن جرير عن جماعة أن هذا التكريم هو أنهم يأكلون بأيديهم ، وسائر الحيوانات تأكل بالفم ، وكذا حكاه النحاس . وقيل : ميزهم بالنطق والعقل والتمييز ، وقيل : أكرم الرجال باللحى والنساء بالذوائب . وقال ابن جرير : أكرمهم بتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم ، وقيل : بالكلام والخط والفهم ، ولا مانع من حمل التكريم المذكور في الآية على جميع هذه الأشياء . وأعظم خصال التكريم العقل ، فإن به تسلطوا على سائر الحيوانات ، وميزوا بين الحسن والقبيح ، وتوسعوا في المطاعم والمشارب ، وكسبوا الأموال التي تسببوا بها إلى تحصيل أمور لا يقدر عليها الحيوان ، وبه قدروا على تحصيل الأبنية التي تمنعهم مما يخافون ، وعلى تحصيل الأكسية التي تقيهم الحرّ والبرد ، وقيل تكريمهم : هو أن جعل محمداً صلى الله عليه وسلم منهم { وحملناهم فِي البر والبحر } هذا تخصيص لبعض أنواع التكريم ، حملهم سبحانه في البرّ على الدواب ، وفي البحر على السفن ، وقيل : حملناهم فيهما حيث لم نخسف بهم ولم نغرقهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ الطيبات } أي : لذيذ المطاعم والمشارب وسائر ما يستلذونه وينتفعون به { وفضلناهم على كَثِيرٍ ممنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً } أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته . وقد جعل بعض أهل العلم الكثير هنا بمعنى الجميع وهو تعسف لا حاجة إليه .
وقد شغل كثير من أهل العلم بما لم تكن إليه حاجة ولا تتعلق به فائدة ، وهو مسألة تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة ، ومن جملة ما تمسك به مفضلو الأنبياء على الملائكة هذه الآية ، ولا دلالة لها على المطلوب لما عرفت من إجمال الكثير وعدم تبيينه ، والتعصب في هذه المسألة هو الذي حمل بعض الأشاعرة على تفسير الكثير هنا بالجميع حتى يتم له التفضيل على الملائكة ، وتمسك بعض المعتزلة بهذه الآية على تفضيل الملائكة على الأنبياء . ولا دلالة بها على ذلك ، فإنه لم يقم دليل على أن الملائكة من القليل الخارج عن هذا الكثير ، ولو سلمنا ذلك فليس فيما خرج عن هذا الكثير ما يفيد أنه أفضل من بني آدم ، بل غاية ما فيه أنه لم يكن الإنسان مفضلاً عليه . فيحتمل أن يكون مساوياً للإنسان ، ويحتمل أن يكون أفضل منه ، ومع الاحتمال لا يتم الاستدلال ، والتأكيد بقوله : { تَفْضِيلاً } يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين ، فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.