تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (237)

ثم ذكر حكم المفروض لهن فقال :

{ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

أي : إذا طلقتم النساء قبل المسيس ، وبعد فرض المهر ، فللمطلقات من المهر المفروض نصفه ، ولكم نصفه .

هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة ، بأن تعفو عن نصفها لزوجها ، إذا كان يصح عفوها ، { أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } وهو الزوج على الصحيح{[147]}  لأنه الذي بيده حل عقدته ، ولأن الولي لا يصح أن يعفو عن ما وجب للمرأة ، لكونه غير مالك ولا وكيل .

ثم رغب في العفو ، وأن من عفا ، كان أقرب لتقواه ، لكونه إحسانا موجبا لشرح الصدر ، ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف ، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة ، لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين : إما عدل وإنصاف واجب ، وهو : أخذ الواجب ، وإعطاء الواجب . وإما فضل وإحسان ، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق ، والغض مما في النفس ، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة ، ولو في بعض الأوقات ، وخصوصا لمن بينك وبينه معاملة ، أو مخالطة ، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم ، ولهذا قال : { إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .


[147]:- جاء في هامش أ ما نصه: (هذا بحسب ما ظهر لي وقت كتابتي لهذا الموضع، ثم بعد ذلك تبين لي أن القول بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي الأقرب، وهو الأب، وهو الأصح لمساعدة اللفظ له والمعنى كما هو ظاهر للمتدبر).وفي هامش ب زيادة بخط المؤلف هي: (وقيل: إنه الأب، وهو الذي يدل عليه لفظ الآية الكريمة).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (237)

وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 237 )

اختلف الناس في هذه الآية ، فقالت فرقة فيها مالك وغيره : إنها مخرجة المطلقة بعد الفرض من حكم التمتيع ، إذ يتناولها قوله تعالى : { ومتعوهنَّ } ، وقال ابن المسيب : نسخت هذه الآية التي في الأحزاب ، لأن تلك تضمنت تمتيع كل من لم يدخل بها( {[2287]} ) . وقال قتادة : نسخت هذه الآية الآية التي قبلها( {[2288]} ) . وقال ابن القاسم في المدونة : كان المتاع لكل مطلقة بقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } [ البقرة : 241 ] ولغير المدخول بها بالآية التي في سورة الأحزاب ، الآية : 49 فاستثنى الله المفروض لها قبل الدخول بهذه الآية ، وأثبت للمفروض لها نصف ما فرض فقط ، وزعم زيد بن أسلم أنها منسوخة بهذه الآية ، حكى ذلك في المدونة عن زيد بن أسلم زعماً . وقال ابن القاسم : إنه استثناء ، والتحرير برد ذلك إلى النسخ الذي قال زيد ، لأن ابن القاسم قال : إن قوله تعالى { وللمطلقات متاع } [ البقرة : 241 ] عم الجميع ، ثم استثنى الله منه هذه التي فرض لها قبل المسيس ، وقال فريق من العلماء منهم أبو ثور : المتعة لكل مطلقة عموماً ، وهذه الآية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض ، ولم يعن بالآية لإسقاط متعتها بل لها المتعة ونصف المفروض ، وقرأ الجمهور «فنصفُ » بالرفع ، والمعنى فالواجب نصف ما فرضتم ، وقرأت فرقة «فنصفَ » بنصب الفاء ، المعنى فادفعوا نصف ، وقرأ علي بن أبي طالب وزيد بن ثابت «فنُصف » بضم النون في جميع القرآن ، وهي لغة ، وكذلك روى الأصمعي قراءة عن أبي عمرو بن العلاء ، وقوله تعالى : { إلا أن يعفون } استثناء منقطع لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن( {[2289]} ) ، و { يعفون } معناه يتركن ويصفحن ، وزنه يفعلن( {[2290]} ) ، والمعنى إلا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج ، والعافيات في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها . وقال ابن عباس وجماعة من الفقهاء والتابعين : ويجوز عفو البكر التي لا ولي لها( {[2291]} ) ، وحكاه سحنون في المدونة عن غير ابن القاسم بعد أن ذكر لابن القاسم أن وضعها نصف الصداق لا يجوز ، وأما التي في حجر أب وصي فلا يجوز وضعها لنصف صداقها قولاً واحداً( {[2292]} ) فيما أحفظ .

واختلف الناس في المراد بقوله تعالى : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } فقال ابن عباس وعلقمة وطاوس ومجاهد وشريح والحسن وإبراهيم والشعبي وأبو صالح وعكرمة والزهري ومالك وغيرهم : هو الولي الذي المرأة في حجره ، فهو الأب في ابنته التي لم تملك أمرها ، والسيد في أمته ، وأما شريح فإنه جوز عفو الأخ عن نصف المهر ، وقال وأنا أعفو عن مهور بني مرة وإن كرهن ، وكذلك قال عكرمة : يجوز عفو الذي عقد عقدة النكاح بينهما ، كان عماً أو أخاً أو أباً وإن كرهت( {[2293]} ) ، وقالت فرقة من العلماء : الذي بيده عقدة النكاح الزوج ، قاله علي بن أبي طالب وقاله ابن عباس أيضاً ، وشريح أيضاً رجع إليه ، وقاله سعيد ابن جبير وكثير من فقهاء الأمصار ، فعلى القول الأول : الندب لهما هو في النصف الذي يجب للمرأة فإما أن تعفو هي وإما أن يعفو وليها ، وعلى القول الثاني : فالندب في الجهتين إما أن تعفو هي عن نصفها فلا تأخذ من الزوج شيئاً ، وإما أن يعفو الزوج عن النصف الذي يحط فيؤدي جميع المهر ، وهذا هو الفضل منهما ، وبحسب حال الزوجين يحسن التحمل والتجمل ، ويروى أن جبير بن مطعم دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه ابنة له فتزوجها ، فلما خرج طلقها وبعث إليه بالصداق ، فقيل له : لم تزوجتها ؟ ، فقال : عرضها علي فكرهت رده ، قيل : فلم تبعث بالصداق ؟ قال : فأين الفضل ؟

قال القاضي أبو محمد رحمه الله( {[2294]} ) : ويحتج القائلون بأن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج ، بأن هذا الولي لا يجوز له ترك شيء من صداقها قبل الطلاق فلا فرق بعد الطلاق .

وأيضاً فإنه لايجوز له ترك شيء من مالها الذي ليس من الصداق فماله يترك نصف الصداق ؟ وأيضاً فإنه إذا قيل الولي فما الذي يخصص بعض الأولياء دون بعض وكلهم بيده عقدة النكاح وإن كان كافلاً أو وصياً أو الحاكم أو الرجل من العشيرة ؟ ، ويحتج من يقول إنه الولي الحاجر بعبارة الآية ، لأن قوله { الذي بيده عقدة النكاح } عبارة متمكنة في الولي ، وهي في الزوج قلقة بعض القلق ، وليس الأمر في ذلك كما قال الطبري ومكي من أن المطلق لا عقدة بيده بل نسبة العقدة إليه باقية من حيث كان عقدها قبل( {[2295]} ) ، وأيضاً فإن قوله { إلا أن يعفون } لا تدخل فيه من لا تملك أمرها لأنها لاعفو لها فكذلك لا يغبن النساء بعفو من يملك أمر التي لا تملك أمرها( {[2296]} ) ، وأيضاً فإن الآية إنما هي ندب إلى ترك شيء قد وجب في مال الزوج ، يعطي ذلك لفظ العفو الذي هو الترك والاطراح وعطاء الزوج المهر كاملاً لا يقال فيه عفو ، إنما هو انتداب إلى فضل( {[2297]} ) ، اللهم إلا أن تقدر المرأة قد قبضته( {[2298]} ) ، وهذا طارٍ لا يعتد به ، قال مكي : وأيضاً فقد ذكر الله الأزواج في قوله { فنصف ما فرضتم } ثم ذكر الزوجات بقوله { يعفون } ، فكيف يعبر عن الأزواج بعد بالذي بيده عقدة النكاح بل هي درجة ثالثة لم يبق لها الإ الولي .

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وفي هذا نظر( {[2299]} ) ، وقرأ الجمهور «أو يعفوَ » بفتح الواو لأن الفعل منصوب ، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أو يعفوْ الذي » بواو ساكنة ، قال المهدوي : ذلك على التشبيه بالألف( {[2300]} ) ، ومنه قول عامر بن الطفيل : [ الطويل ]

فما سوَّدَتْنِي عامِر عَنْ وِرَاثَةٍ . . . أَبَى اللَّهُ أَنْ أَسْمُوْ بأُمٍّ ولاَ أبِ( {[2301]} )

قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : والذي عندي أنه استثقل الفتحة على واو متطرفة قبلها متحرك لقلة مجيئها في كلام العرب ، وقد قال الخليل رحمه الله : لم يجىء في الكلام واو مفتوحة متطرفة قبلها فتحة إلا في قولهم " عفوة " وهو جمع " عفو " وهو ولد الحمار ، وكذلك الحركة ما كانت قبل الواو المفتوحة فإنها ثقيلة( {[2302]} ) ، ثم خاطب تعالى الجميع نادباً بقوله { وأن تعفوا أقرب للتقوى } أي يا جميع الناس ، وهذه قراءة الجمهور بالتاء باثنتين من فوق ، وقرأ أبو نهيك والشعبي «وأن يعفو » بالياء ، وذلك راجع إلى الذي بيده عقدة النكاح ، وقرأ الجمهور «ولا تنسوا الفضل » ، وقرأ علي بن أبي طالب ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة «ولا تناسوا الفضل » ، وهي قراءة متمكنة المعنى لأنه موضع تناس لا نسيان إلا على التشبيه( {[2303]} ) ، وقوله تعالى { ولا تنسوا الفضل } ندب إلى المجاملة ، قال مجاهد : الفضل إتمام الزوج الصداق كله أو ترك المرأة النصف الذي لها ، وقوله { إن الله بما تعملون بصير } خبر في ضمنه الوعد للمحسن والحرمان لغير المحسن .


[2287]:- سواء فرض لها أو لم يفرض لها.
[2288]:- ما قاله سعيد بن المسيب من نسخ آية الأحزاب لهذه الآية، وما قاله قتادة من نسخ هذه الآية، الآية التي قبلها غير ظاهر، إذ شرط النسخ غير موجود، والجمع بين الآيات ممكن، انظر (ق).
[2289]:- أشار بذلك إلى أن الواو لام الكلمة، ومثل هذه الصيغة تسند إلى الرجال وإلى النساء، فتقول: «الرجال يعفون » «والنساء يعفون»، إلا أن الواو في الأول ضمير ولام الكلمة محذوف، وفي الثاني الواو لام الكلمة والنون ضمير النسوة، وفي الأول معرب وفي الثاني مبني، وفي الأول وزنه يفْعُون وفي الثاني يفْعُلْن.
[2290]:- أي المهملة.
[2291]:- لأن العفو تركٌ، والترك غير الأخذ.
[2292]:- لأنها محجورة، وهي لا كلام لها في تفويت شيء من مالها.
[2293]:- معنى ذلك أن هؤلاء بعد أن اتفقوا على أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي – منهم من خصصه بالأب والسيد، ومنهم من عمَّمه في كل ولي قريب أو بعيد.
[2294]:- ذكر ثلاثة أوجه ترجح أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج، وذكر أربعة أوجه تؤيد القول الآخر، وأنه الولي الحاجر إلا أن غالب هذه الأوجه مدخول.
[2295]:- وقد قال الله تعالى: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فالخطاب للأزواج والزوج هو القادر على حل عقدة النكاح بالطلاق.
[2296]:- هو ملائم لكون المراد بمن بيده عقدة النكاح هو الزوج. تأمل.
[2297]:- قد يقال فيه عفو على سبيل المشاكلة والمشابهة، وهو مجاز من مجازات العرب.
[2298]:- فيكون التعبير بالعفو ظاهراً لأنه تركه لها ولم يسترجعه إلا أن هذا نادر، والنادر لا يعتد به.
[2299]:- وجهه والله أعلم – أن ذلك جاء على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، ومما يقوي كون المراد به الزوج إجماع أهل العلم على أنه لا يجوز للأب أن يهب شيئا من مال بنته لا لزوج ولا لغيره، فكذلك المهر إذ لا فرق، وقد سبق هذا في قول ابن عطية، فكذلك لا يغبن النساء بعفو من يملك أمر التي لا تملك أمرها.
[2300]:- نحو "لن يخشى": فتقدر الفتحة في (الواو) كما تقدر في (الألف).
[2301]:- سوده عليهم: جعله سيِّداً – يقول: إنه ساد قومه لصفاته وشخصيته لا بسبب الوراثة. والشاهد في كلمة (أسمو) حيث جاءت الواو ساكنة وحقّها أن تكون بالفتحة، ورأى المهدوي أن ذلك على تقدير الفتحة على الواو كما تقدر على الألف في (يخشى ويسعى) وأمثالهما، وإن كان ابن عطية قد عقب برأي آخر. تأمله.
[2302]:- فلا خصوصية للفتحة، بل ذلك يأتي في كل حركة قبل الواو المفتوحة المتطرفة إلا أن في ذلك تفصيلا، ذكره (ح) في البحر المحيط.
[2303]:- أي تشبيه التناسي بالنسيان، والجامع بينهما الترك في كلّ، إلا أنه في التناسي عن عمد، وفي النسيان عن ذهول.