غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (237)

233

الحكم السادس عشر : حكم المطلقة قبل الدخول وبعد فرض المهر وذلك قوله سبحانه { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } الآية . واعلم أن مذهب الشافعي أن الخلوة لا تقرر المهر . وقال أبو حنيفة : الخلوة الصحيحة تقرر المهر وهي أن لا يكون هناك مانع حسي أو شرعي . فالحسي نحو الرتق والقرن والمرض أو يكون معهما ثالث وإن كان نائماً . والشرعي كالحيض والنفاس وصوم الفرض وصلاة الفرض والإحرام المطلق فرضاً كان أو نفلاً . وقوله { وقد فرضتم } في موضع الحال . ومعنى قوله { فنصف ما فرضتم } فعليكم نصف ذلك ، أو فنصف ما فرضتم ساقط أو ثابت { لا أن يعفون } أي المطلقات على أزواجهن فتقول المرأة : ما رآني ولا خدمته ولا استمتع بي فكيف آخذ منه شيئاً ؟ والفرق بين قولك " النساء يعفون " وبين " الرجال يعفون " هو أن الواو في الأول لام الفعل والنون ضمير جماعة النساء ولم يحذف منه شيء ، وإنما وزنه يفعلن والفعل مبني لا أثر في لفظه للعامل ، والواو في الثاني ضمير جماعة الذكور واللام محذوف ووزنه " يعفون " والنون علامة الرفع ، فقوله { أو يعفو } عطف على محل { أن يعفون } والذي بيده عقدة النكاح الولي وهو قول الشافعي ، ويروى عن الحسن ومجاهد وعلقمة . وقيل : الزوج وهو مذهب أبي حنيفة ويروى عن علي وسعيد بن المسيب . وكثير من الصحابة والتابعين قالوا : ليس للولي أن يهب مهر مولاته صغيرة كانت أو كبيرة . وأيضاً الذي بيد الولي هو عقدة النكاح ، فإذا عقد حصلت العقدة أي المعقودة كالأكلة واللقمة ، ثم هذه العقدة بيد الزوج لا الولي وعن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة وطلقها قبل الدخول فأكمل لها الصداق وقال : أنا أحق بالعفو . حجة الأولين أن الصادر عن الزوج هو أن يعطها كل المهر وذلك يكون هبة والهبة لا تسمى عفواً اللهم إلا أن يقال : كان الغالب عندهم أن يسوق إليها المهر عند التزوج فإذا طلقها استحق أن يطالبها بنصف ما ساق إليها ، فإذا ترك المطالبة فقد عفا عنها . أو يقال : سماه عفواً على طريقة المشاكلة ، أو لأن العفو والتسهيل . فعفو الرجل هو أن يبعث إليها كل الصداق على وجه السهولة . حجة أخرى لو كان المراد به الزوج وقد قال أولاً : { وإن طلقتموهن } ناسب أن يقال : { إلا أن يعفون } أو تعفو على سبيل الخطاب أيضاً ، وأجيب بأن سبب العدول عن الخطاب إلى الغيبة هو التنبيه على المعنى الذي لأجله يرغب في العفو . والمعنى إلا أن يعفون أو يعفو الزوج الذي حبسها بأن ملك عقدة نكاحها عن الأزواج ثم لم يكن منها سبب في الفراق ، وإن فارقها الزوج فلا جرم كان حقيقاً بأن لا ينقصها من مهرها ويكمل لها صداقها . ثم قال الشافعي : إذا ثبت أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي ، فهم منه أن النكاح لا ينعقد بدون الولي ، وذلك للحصر المستفاد من تقديم { بيده } على { عقدة النكاح } فتبين أنه ليس في يد المرأة من ذلك شيء { وأن تعفوا أقرب للتقوى } قيل : اللام بمعنى " إلى " والتقدير : العفو أقرب إلى التقوى . والخطاب للرجال والنساء جميعاً إلا أنه غلب الذكور لأصالتهم وكمالهم ، وإنما كان عفواً لبعض عن البعض أقرب إلى حصول معنى الاتقاء لأن من سمح بترك حقه تقرباً إلى ربه فهو من أن يأخذ حق غيره أبعد ، ولأنه إذا استحق بذلك الصنع الثواب فقد اتقى العقاب واحترز عنه { ولا تنسوا الفضل } لا تتركوا التفضل والتسامح فيما بينكم ، وليس نهياً عن النسيان فإن ذلك غير مقدور ، بل المراد منه الترك . وذلك أن الرجل إذا تزوج المرأة فقد يتعلق قلبها به فإذا طلقها قبل المسيس صار ذلك سبباً لتأذيها منه . وأيضاً إذا كلف الرجل أن يبذل لها مهرها من غير أن يكون قد انتفع بها صار ذلك سبباً لتأذيه منها ، فلا جرم ندب الله تعالى كلاً منهما إلى تطييب قلب الآخر ببذل كل المهر أو تركه وإلا فالتنصيف . عن جبير بن مطعم أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فعرض عليه بنتاً له فتزوجها . فلما خرج طلقها وبعث إليها بالصداق كملاً فقيل له : لم تزوجتها ؟ فقال : عرضها علي فكرهت رده . قيل : فلم بعثت بالصداق ؟ قال : فأين الفضل ؟ ثم إنه تعالى ختم الآية بما يجري مجرى الوعد والوعيد على العادة المعلومة فقال : { إن الله بما تعملون بصير } .