الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (237)

وقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ . . . } [ البقرة :237 ] . اختلف في هذه الآية ، فقالتْ فرقةٌ فيها مالك : إِنها مُخْرِجَةٌ للمطلَّقة بعد الفَرْض من حُكْم التمتيعِ ، إِذ يتناولها .

وقوله تعالى : { وَمَتِّعُوهُنَّ }[ البقرة :237 ] .

وقال قتادةُ : نَسَخَتْ هذه الآيةُ الآيةَ الَّتي قبلها ، وقال ابن القاسِمِ في «المدوَّنة » : كان المتاعُ لكلِّ مطلَّقة ، بقوله تعالى : { وللمطلقات متاع بالمعروف } [ البقرة : 241 ] ، ولغير المدخولِ بها بالآيةِ الَّتي في سورة ( الأحزاب ) ، فاستثنى اللَّه سبحانَهُ المَفْرُوضَ لها قَبْل الدخولِ بهذه الآية ، وأثبت لها نصْفَ ما فَرَضَ ، فقَطْ ، وزعم زيْدُ بْنُ أسْلَم ، أنها منسوخة ، حكى ذلك في " المدوَّنة " عن زيد بن أسْلَم زعْماً .

وقال ابن القاسِمِ : إنها استثناءٌ ، والتحرير يردُّ ذلك إِلى النسخ الَّذي قال زيْدٌ ، لأنَّ ابْنَ القاسِمِ قال : إِن قولَه تعالى : { وللمطلقات متاع } [ البقرة : 241 ] عمَّ الجميعَ ، ثم استثنَى اللَّه منْه هذه التي فُرِضَ لها قبل المَسِيسِ ، وقال فريق من العلماء ، منهم أبو ثَوْر : المُتْعَة لكلِّ مطلَّقة عموماً ، وهذه الآية إِنما بينت أن المفروض لها تأخُذُ نصْفَ ما فرض ، أي : مع مُتْعَتها ، وقرأ الجمهورُ : { فَنِصْفُ } ، بالرفع ، والمعنى : فالواجبُ نصْفُ ما فرضْتُمْ .

وقوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَعْفُونَ }[ البقرة :237 ] .

استثناء منقطعٌ ، و( يَعْفُونَ ) : معناه : يتركْنَ ويصفحْنَ ، أي : يتركْن النِّصْفَ الذي وجَبَ لهنَّ عند الزوْجِ ، وذلك إِذا كانت المرأةُ تمْلِكُ أمْرَ نَفْسِها .

واختلف في المرادِ بقوله تعالى : { أَوْ يَعْفُوَاْ الذي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النكاح } .

فقال ابن عَبَّاس ، ومُجَاهدٌ ، ومالكٌ ، وغيرهم : هو الوليُّ الذي المَرْأَة في حِجْره ، وقالتْ فرْقَة : الذي بيده عُقْدة النكاح هو الزَّوْج ، فعلى القول الأول : الندْبُ في النَّصْف الذي يجبُ للمرأة إِمَّا أن تعفو هي ، وإِما أن يعفو وليُّها ، وعلى القول الثَّاني : إِما أنْ تعفو هي أيضاً ، فلا تأخذَ شيئاً ، وإِما أن يعفو الزوْجُ عن النِّصْفِ الذي يُحَطُّ ، فيؤدّي جميع المَهْر ، ثم خاطب تعالَى الجميعَ ، نادباً بقوله : { وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ للتقوى } ، أي : يا جميعَ الناسِ ، وقرأ عليُّ بن أبي طالبٍ . وغيره : { وَلاَ تَنَسَوا الفَضْلَ } ، وهي قراءةٌ متمكِّنة المعنى ، لأنه موضع تناسٍ ، لا نسيان إِلا على التشْبيه .

وقوله تعالى : { وَلاَ تَنسَوُاْ الفضل }[ البقرة :237 ] ندْبٌ إِلى المجاملة .

وقوله تعالى : { إِنَّ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }[ البقرة :237 ] خَبَرٌ ، وضمنه الوَعْد للمحسِنِ ، والحِرْمان لغير المُحسن .