الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (237)

قوله : ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً )( {[7762]} ) الآية( {[7763]} ) [ 235 ] .

بيّن( {[7764]} ) الله في الآية التي قبلها حال من لم يفرض لها ، وحض على المتعة لها على قول من قال : هو ندب ، وفرضها على قول من قال : هو فرض ، ثم بين( {[7765]} ) في هذه الآية حال المطلقة قبل الدخول التي قد فرض لها فرضاً أن تعطى نصف الطلاق الذي فرض لها( {[7766]} ) .

وهذه الآية تبيين لصدر الآية التي قبلها لأن قوله : ( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمُ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ ) هي( {[7767]} ) المفروض لها .

وقوله : " ( أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) [ 234 ] .

أي أو لم تفضوا لهن فريضة ، فهي( {[7768]} ) غير المفروض لها ، فكرر( {[7769]} ) هذه الآية في التي قد فرض لها للبيان والتأكيد .

وقال قتادة : هذه الآية/نسخت التي قبلها لأنه لم يفرض لها أولاً( {[7770]} ) شيئاً ، وجعل لها متعة ، ثم فرض لها الآن نصف الصداق ولا متعة لها " ( {[7771]} ) .

وهو قول الربيع وجماعة معه( {[7772]} ) .

قوله : ( إِلاَّ أَنْ يَّعْفُونَ ) [ 235 ] .

يريد إلا أن تعفو الثيب أو البكر التي زوجها غير أبيها التي لا ولي لها عن أخذ نصف الصداق .

قال( {[7773]} ) ذلك ابن عباس( {[7774]} ) ، وهو قول الجماعة( {[7775]} ) من التابعين والفقهاء( {[7776]} ) .

قوله : ( أَوْ يَعْفُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) [ 235 ] .

قال ابن عباس : " هو ولي البكر إذ كانت لا يجوز أمرها في مالها فله أن يعفو عن النصف إن شاء ، فإن أبت جاز فعل( {[7777]} ) الولي " ( {[7778]} ) .

وهو قول الحسن وعطاء وإبراهيم وعكرمة وطاوس وربيعة وزيد بن( {[7779]} ) أسلم ومحمد بن كعب القرظي( {[7780]} ) وشريح وأصحاب ابن( {[7781]} ) مسعود والشعبي وقتادة والسدي وغيرهم( {[7782]} ) .

وقال الزهري وغيره : " هو الأب في ابنته البكر ، أو السيد في أمته لهما أن يعفوا ، وإن أبت " ( {[7783]} ) . وهو قول مالك( {[7784]} ) .

قال مالك : " هو الأب في ابنته البكر ، أو السيد في أمته " ( {[7785]} ) .

وليس له أن يعفو ولم يقع طلاق ، إنما العفو بعد طلاق ، وكل ذلك في التي لم يدخل بها .

وقاله علي بن أبي طالب( {[7786]} ) ومجاهد وسعيد بن جبير( {[7787]} ) .

وروي أيضاً عن ابن عباس : " أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج المطلق " ( {[7788]} ) .

ومعنى : ( أَوْ يَعْفُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) : أي يعفو الزوج فيعطي الصداق كله( {[7789]} ) .

والذي يرد هذا أن العفو إنما هو ترك ما يجب للعافي . هذا أصله في اللغة( {[7790]} ) . وليس هو موضوعاً على إعطاء الرجل ما لا يلزمه فإضافته إلى الولي أولى به وأبين في الخطاب ، لأنه ندب إلى أن يترك ما وجب لوليته .

ومن كلام العرب : " عفا ولي المقتول عن القاتل " ، أي ترك له حقه من الدية( {[7791]} ) . وليس/يقال : " عفا القاتل " ، إذا أعطى أكثر من الدية التي تلزمه ولو كان العافي الزوج يعطي الصداق كله ، لكانت الترجمة عن( {[7792]} ) هذا بالهبة أولى منه بالعفو لأنه إذا أعطى( {[7793]} ) الصداق كله فهو واهب ، وليس بعافٍ إنما العافي من يترك حقه ، ليس هو من يهب ماله .

وأيضاً فإنه قال : ( فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمُ ) يخاطب الأزواج ، ثم قال : ( إِلاَّ أَنْ يَّعْفُونَ ) يريد الزوجات المالكات لأنفسهن ، ثُمَّ قال : ( أَوْ يَعْفُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) ، فهذا ثالث غير الأول والثاني ولا ثالث إلا( {[7794]} ) الولي( {[7795]} ) .

وأيضاً فإن الله إنما ذكر العفو بعد/وقوع الطلاق ، فكيف يقال لمن طلق ولا أنشيء في يديه/أنه هو الذي بيده عقدة النكاح ، وهو الآن [ لا ]( {[7796]} ) عقدة( {[7797]} ) في يديه( {[7798]} ) إذ قد طلق .

وقيل : إنما هو مخاطبة للأزواج الذين دفعوا الصداق/كله ، ثم طلقوا قبل الدخول فندبوا [ إلى أن يعفوا ]( {[7799]} ) عن نصف الصداق ولا يرجعون به على الزوجات( {[7800]} ) .

وهذا القول يدل على أن الآية خاصة في بعض الأزواج ، وليست الآية كذلك ، إنما هي عامة اللفظ .

ويدل أيضاً على أن المراد به غير الأزواج قوله : ( بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) ، والمطلق لا عقدة بيده من إثبات نكاح التي طلق قبل الدخول/إنما عقدة نكاحها بيد الولي ، فهو المراد . وكذلك غير المطلق لا( {[7801]} ) عقدة( {[7802]} ) بيده ، إنما عقدة( {[7803]} ) النكاح للولي ، وإنما بيد الزوج عقدة نكاح نفسه ، وبيد الولي عقدة نكاح المرأة( {[7804]} ) . وأيضاً ، فإن معنى : ( عُقْدَةُ النِّكَاحِ( {[7805]} ) ) أي نكاحها .

والألف واللام عوض من الهاء كما قال : ( فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأوَى ) [ النازعات : 40 ] . أي : مأواه ، فكان رد الضمير المحذوف إليهن ، لأنهن أقرب ذكر في قوله : ( إِلاَّ أَنْ يَّعْفُونَ ) أولى به .

قوله : ( وَأَنْ تَعْفُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) [ 235 ] .

هذا مخاطبة للأولياء والمطلقات المالكات أمرهن( {[7806]} ) .

وقيل : خوطب بذلك أزواج المطلقات في أن يتركوا الصداق كله إن كان قد ساقوه قبل الطلاق إلى الزوجة( {[7807]} ) .

قوله : ( وَلاَ تَنْسَوُا الفَضْلَ ) [ 235 ] .

أي لا تتركوا فعل الخير فيما بينكم ؛ يتفضل الزوج على المرأة بإعطاء الصداق كله فإن لم يفعل فتتفضل( {[7808]} ) برد نصف الصداق الذي وصل إليها( {[7809]} ) ، أو تترك الكل فذلك( {[7810]} ) فضلها( {[7811]} ) .

قال مجاهد : " هو إتمام الزوج الصداق كله ، أو ترك المرأة النصف الذي لها واجب " ( {[7812]} ) .

وقال( {[7813]} ) السدي وعكرمة وسفيان وابن زيد مثله( {[7814]} ) .


[7762]:- قوله تعالى: (وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً) ساقط من ع2، ق، ع3.
[7763]:- سقط من ق.
[7764]:- في ع2: وبين.
[7765]:- سقط من ع2، ع3.
[7766]:- في ع1: بها. وانظر هذا التوجيه في تفسير ابن مسعود 2/127، وتفسير ابن كثير 1/288.
[7767]:- سقط من ق.
[7768]:- في ق: أي فهي.
[7769]:- في ع2، ع3: فكون.
[7770]:- في ع2: أو.
[7771]:- انظر: جامع البيان 5/142، وتفسير القرطبي 3/204.
[7772]:- في ع1، ع2، ق، ع3: معها. وهو خطأ. وانظر: قول الربيع وغيره في جامع البيان 5/142.
[7773]:- في ق: وقال.
[7774]:- انظر: جامع البيان 5/143، والمحرر الوجيز 2/230، وتفسير القرطبي 3/207.
[7775]:- في ع3: جماعة.
[7776]:- انظر: جامع البيان 5/143، والمحرر الوجيز 2/230، وتفسير القرطبي 3/207.
[7777]:- في ع3: فعلى. وهو تحريف.
[7778]:- انظر: جامع البيان 5/146، وهو اختيار ابن قتيبة، راجع تفسير الغريب 91.
[7779]:- في ع2، ق، ع3: ابن. وهو خطأ.
[7780]:- في ق: القرطبي. وهو تحريف.
[7781]:- في ع2، ق: بن وهو خطأ.
[7782]:- انظر: جامع البيان 5/146-150، وأحكام ابن العربي 1/219، وتفسير القرطبي 3/207.
[7783]:- انظر: جامع البيان 5/150.
[7784]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/222، والمحرر الوجيز 2/230، وتفسير القرطبي 3/207.
[7785]:- انظر: أحكام ابن العربي 1/222، والمحرر الوجيز 2/230، وتفسير القرطبي 3/207.
[7786]:- في ع3: طالب رضي الله عنه.
[7787]:- انظر: جامع البيان 5/155.
[7788]:- انظر: المحرر الوجيز 2/230، وتفسير ابن كثير 1/289، وهو قول شريح في تفسير مجاهد 1/110، واختيار الفراء في معانيه 1/155.
[7789]:- انظر هذا التوجيه في: جامع البيان 5/155، وهو أيضاً قول الشافعي، انظر: أحكامه 1/200.
[7790]:- انظر: مفردات الراغب 351، واللسان 3/827.
[7791]:- انظر: اللسان 2/827.
[7792]:- في ح: على.
[7793]:- في ع3: أعطي. وهو تصحيف.
[7794]:- في ق: ولا.
[7795]:- في ع2: لولي. وانظر هذا الاستدلال في: المحرر الوجيز 2/232، وتفسير القرطبي 3/207.
[7796]:- تكملة موضحة ولازمة من ع2، ح، ق، ع3.
[7797]:- في ح: عقد.
[7798]:- في ق: يده.
[7799]:- في ع2: إلى أن يعفو. وفي ق: إلا أن يعفون.
[7800]:- وهو اختيار الطبري، انظر: جامع البيان 5/158.
[7801]:- في ع3: لأن.
[7802]:- في ح: عقدة. وهو تصحيف.
[7803]:- في ح: عقدة. وهو تصحيف.
[7804]:- انظر هذا الاستدلال في: تفسير القرطبي 3/207.
[7805]:- في ح: عقدة. وهو تصحيف.
[7806]:- في ح: أمر أنفسهن.
[7807]:- وهو قول الشعبي في جامع البيان 5/163، وتفسير ابن كثير 1/289.
[7808]:- في ح: فتتفضل المرأة.
[7809]:- سقط من ع3.
[7810]:- في ع3: فذاك.
[7811]:- انظر هذا التفسير في: جامع البيان 5/164.
[7812]:- انظر: جامع البيان 5/165، والمحرر الوجيز 2/233، وتفسير ابن كثير 1/289.
[7813]:- تصويب اقتضاه السياق. وفي جميع النسخ: قاله.
[7814]:- انظر: جامع البيان 5/166، وتفسير القرطبي 3/208، وتفسير ابن كثير 1/289.