تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

{ 27 - 28 } { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ }

يذكر تعالى خلقه للأشياء المتضادات ، التي أصلها واحد ، ومادتها واحدة ، وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف ، ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته .

فمن ذلك : أن اللّه تعالى أنزل من السماء ماء ، فأخرج به من الثمرات المختلفات ، والنباتات المتنوعات ، ما هو مشاهد للناظرين ، والماء واحد ، والأرض واحدة .

ومن ذلك : الجبال التي جعلها اللّه أوتادا للأرض ، تجدها جبالا مشتبكة ، بل جبلا واحدا ، وفيها ألوان متعددة ، فيها جدد بيض ، أي : طرائق بيض ، وفيها طرائق صفر وحمر ، وفيها غرابيب سود ، أي : شديدة السواد جدا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

الرؤية في قوله { ألم تر } رؤية القلب ، وكل توقيف في القرآن على رؤية فهي رؤية القلب ، لأن الحجة بها تقوم ، لكن رؤية القلب لا تتركب البتة إلا على حاسة ، فأحياناً تكون الحاسة البصر وقد تكون غيره ، وهذا يعرف بحسب الشيء المتكلم فيه ، و { إن } سادت مسد المفعولين الذين للرؤية ، هذا مذهب سيبويه لأن { أن } جملة مع ما دخلت عليه ، ولا يلزم ذلك في قولك رأيت وظننت ذلك ، لأن قولك ذلك ليس بجملة كما هي { أن } ومذهب الزجاج أن المفعول الثاني محذوف تقديره { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء } حقاً ، ورجع من خطاب بذكر الغائب إلى المتكلم بنون العظمة لأنها أهيب في العبارة ، وقوله { ألوانها } يحتمل أن يريد الحمرة والصفرة والبياض والسواد وغير ذلك ، ويؤيد هذا اطراد ذكر هذه الألوان فيما بعد ، ويحتمل أن يريد بالألوان الأنواع ، والمعتبر فيه على هذا التأويل أكثر عدداً ، و { جدد } جمع جدة ، وهي الطريقة تكون من الأرض والجبل كالقطعة العظيمة المتصلة طولاً ، ومنه قول امرىء القيس : [ الطويل ]

كأنّ سراته وحدَّة متنه . . . كنائن يحوي فوقهن دليص{[9718]}

وحكى أبو عبيدة في بعض كتبه أنه يقال { جدد } في جمع جديد ، ولا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية ، وقرأ الزهري «جَدد » بفتح الجيم ، وقوله { وغرابيب سود } لفظان لمعنى واحد ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله يبغض الشيخ الغربيب »{[9719]} ، يعني الذي يخضب بالسواد ، وقدم الوصف الأبلغ ، وكان حقه أن يتأخر وكذلك هو في المعنى ، لكن كلام العرب الفصيح يأتي كثيراً على هذا النحو .


[9718]:هذا البيت من قصيدة رواها أبو عمر الشيباني، وفيها أبيات يصف فيها جمله، ويشبهه بحمار الوحش الذي يطارد أُتنا-جمع أتان وهي الحمارة-حملن فربت من حملهن البطون، وهذا الحمار ضامر البطن، كأن سراته...الخ البيت. وسراته: ظهره، وجدة ظهره هي الخطة في ظهر الحمار تخالف لونه، والكنائن: جمع كنانة، وهي جعبة السهام تصنع من الجلد أو الخشب، والدليص: ماء الذهب، يشبه ظهر الحمار وما فيه من خطة تختلف في اللون عن بقية لونه كله بجعاب السهام التي وشيت بالذهب. والشاهد هنا هو كلمة جدة وما تحمل من المعنى. وقد ورد أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله عنهما: أخبرني عن قوله تعالى:(جدد)، فقال: طرائق، طريقة بيضاء وطريقة خضراء، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر وهو يقول: قد غادر السبع في صفحاتها جددا كأنها طرق لاحت على أكم
[9719]:أخرجه ابن عدي في الكامل، عن أبي هريرة رضي الله عنه، ورمز له الإمام السيوطي في (الجامع الصغير) بأنه ضعيف.