إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

{ أَلَمْ تَرَ } استئنافٌ مسوق لتقريرِ ما قبله من اختلافِ أحوالِ النَّاسِ ببيان أنَّ الاختلافَ والتَّفاوتَ أمرٌ مطَّردٌ في جميعِ المخلوقات من النَّباتِ والجمادِ والحيوانِ . والرُّؤيةُ قلبية أي ألم تعلمَ { أَنَّ الله أنَزَلَ مِنَ السماء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ } بذلك الماءِ . والالتفات لإظهارِ كمال الاعتناءِ بالفعلِ لما فيه من الصُّنعِ البديعِ المنبئ عن كمالِ القُدرةِ والحكمةِ { ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } أي أجناسُها أو أصنافُها على أنَّ كلاًّ منها ذُو أصنافٍ مختلفةٍ . أو هيئاتُها وأشكالُها أو ألوانُها من الصُّفرةِ والخُضرةِ والحُمرةِ وغيرِها وهو الأوفقُ لما في قوله تعالى : { منَ الجبال جُدَدٌ } أي ذو جديد أي خططٍ وطرائقَ ويقالُ جدة الحمارِ للخطةِ السَّوداءِ على ظهره وقرئ جُدُد بالضَّمِّ جمع جديدةٍ بمعنى الجدة وجَدَد بفتحتينِ وهو الطَّريقُ الواضحُ { بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها } بالشِّدةِ والضَّعفِ { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } عطفٌ على بيضٌ أو على جدُد كأنَّه قيل : ومن الجبالِ مُخطَّطٌ ذو جُددٍ ومنها ما هو على لونٍ واحدٍ غرابيبَ وهو تأكيد لمضمر يفسِّره ما بعدِه فإنَّ الغربيبَ . تأكيدٌ للأسودِ كالفاقعِ للأصفرِ والقانِي للأحمرِ ومن حقِّ التَّأكيدِ أنْ يتبعَ المؤكَّدَ ، ونظيرُه في الصِّفةِ قولُ النَّابغةِ : [ البسيط ]

والمؤمنِ العائذاتِ الطَّيرَ يمسحُها *** . . . . . .

وفي مثلهِ مزيدٌ تأكيدٍ لما فيه التَّكرارِ باعتبار الإضمارِ والإظهارِ .