ثم ذكر سبحانه نوعاً من أنواع قدرته الباهرة ، وخلقاً من مخلوقاته البديعة ، فقال : { أَلَمْ تَرَ } والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكلّ من يصلح له { أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء } وهذه الرؤية هي : القلبية أي ألم تعلم ، وأن واسمها وخبرها سدّت مسدّ المفعولين { فَأَخْرَجْنَا بِهِ } أي بالماء ، والنكتة في هذا الالتفات إظهار كمال العناية بالفعل لما فيه من الصنع البديع ، وانتصاب { مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } على الوصف لثمرات ، والمراد بالألوان الأجناس والأصناف ، أي بعضها أبيض ، وبعضها أحمر ، وبعضها أصفر ، وبعضها أخضر ، وبعضها أسود { وَمِنَ الجبال جُدَدٌ } الجدد جمع جدة ، وهي : الطريق . قال الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال جدد بضم الجيم والدال ، نحو سرير وسرر . قال زهير :
كأنه أسفع الخدين ذو جدد *** طاوٍ ويرتع بعد الصيف أحياناً
وقيل : الجدد القطع ، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، حكاه ابن بحر . قال الجوهري : الجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه ، والجدة الطريقة ، والجمع جدد ، وجدائد ، ومن ذلك قول أبي ذؤيب :
قال المبرد : جدد : طرائق وخطوط . قال الواحدي : ونحو هذا قال المفسرون في تفسير الجدد . وقال الفراء : هي الطرق تكون في الجبال كالعروق بيض ، وسود ، وحمر ، واحدها جدة . والمعنى : أن الله سبحانه أخبر عن جدد الجبال ، وهي : طرائقها ، أو الخطوط التي فيها بأن لون بعضها البياض ، ولون بعضها الحمرة ، وهو معنى قوله : { بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها } قرأ الجمهور : { جدد } بضم الجيم ، وفتح الدال . وقرأ الزهري بضمهما جمع جديدة ، وروي عنه : أنه قرأ بفتحهما ، وردّها أبو حاتم وصححها غيره ، وقال : الجدد الطريق الواضح البين { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } الغربيب الشديد السواد الذي يشبه لونه لون الغراب . قال الجوهري : تقول هذا أسود غربيب ، أي شديد السواد ، وإذا قلت غرابيب سود جعلت السود بدلاً من غرابيب . قال الفراء : في الكلام تقديم وتأخير تقديره : وسود غرابيب ، لأنه يقال : أسود غربيب ، وقلّ ما يقال : غربيب أسود ، وقوله : { مُّخْتَلِف أَلْوَانُهَا } صفة لجدد ، وقوله : { وَغَرَابِيبُ } معطوف على جدد على معنى : ومن الجبال جدد بيض وحمر ، ومن الجبال غرابيب على لون واحد ، وهو : السواد ، أو على حمر على معنى ، ومن الجبال جدد بيض ، وحمر ، وسود . وقيل : معطوف على بيض ، ولابدّ من تقدير مضاف محذوف قبل جدد ، أي ومن الجبال ذو جدد ، لأن الجدد إنما هي في ألوان بعضها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.