النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ ثَمَرَٰتٖ مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهَاۚ وَمِنَ ٱلۡجِبَالِ جُدَدُۢ بِيضٞ وَحُمۡرٞ مُّخۡتَلِفٌ أَلۡوَٰنُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٞ} (27)

قوله عز وجل : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَنْا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا } وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها ، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها { وَمِنَ الْجبَالَ جُدَدٌ } فيه وجهان :

أحدهما : أن الجدد القطع مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته ، حكاه ابن بحر .

الثاني : أنها الخطط واحدتها جُدة مثل مُدة ومدد ، ومنه قول زهير :

كأنه{[2279]} أسفع الخدين ذو جُدد *** طاوٍ ويرتع بعد الصيف عريانا

{ بِيضُ وَحُمرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ } والغربيب الشديد السواد الذي لونه كلون الغراب ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الشَّيخَ الْغِرْبِيبَ " . يعني الذي يخضب بالسواد ، قال امرؤ القيس :

العين طامعة واليد سابحة *** والرجل لافحة والوجه غربيب{[2280]}

وقيل فيه تقديم وتأخير ، وتقديره سود غرابيب .

وفي المراد بالغرابيب السود ثلاثة أوجه :

أحدها : الجبال السود ، قاله السدي .

الثاني : الطرائق السود ، قاله ابن عباس .

الثالث : الأودية السود ، قاله قتادة .


[2279]:في ك كأنها.
[2280]:البيت هكذا بالأصول، والذي في الديوان: واليد سابحة والرجل ضارحة*** والعين قادحة والمتن سلحوب والماء منهمر والشد منحدر*** والقلب مضطرب واللون غربيب