{ 42 - 43 } { يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ }
أي : إذا كان يوم القيامة ، وانكشف فيه من القلاقل [ والزلازل ] والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم ، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء ، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه ، فحينئذ يدعون إلى السجود لله ، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله ، طوعًا واختيارًا ، ويذهب الفجار المنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود ، وتكون ظهورهم كصياصي البقر ، لا يستطيعون الانحناء .
وقوله تعالى : { يوم يكشف عن ساق } ، قال مجاهد : هي أول ساعة من يوم القيامة ، وهي أفظعها ، وتظاهر حديث من النبي صلى الله عليه وسلم : «أنه ينادي مناد يوم القيامة ليتبع كل أحد ما كان يعبد » ، قال : «فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، وكذلك كل عابد لكل معبود ثم تبقى هذه الأمة وغبرات أهل الكتاب{[11257]} ، معهم منافقوهم وكثير من الكفرة ، فيقال لهم : ما شأنكم لم تقفون ، وقد ذهب الناس فيقولون ننتظر ربنا فيجيئهم الله تعالى في غير الصورة التي عرفوه بها ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك ، قال فيقول : أتعرفونه بعلامة ترونها فيقولون : نعم ، فيكشف لهم عن ساق ، فيقولون : نعم أنت ربنا ، ويخرون للسجود فيسجد كل مؤمن وتصير أصلاب المنافقين والكفار كصياصي البقر عظماً واحداً ، فلا يستطيعون سجوداً »{[11258]} .
قال القاضي أبو محمد : هكذا هو الحديث وإن اختلفت منه ألفاظ بزيادة ونقصان ، وعلى كل وجه فما ذكر فيه من كشف الساق وما في الآية من ذلك ، فإنما هو عبارة عن شدة الهول وعظم القدرة التي يرى الله تعالى ذلك اليوم حتى يقع العلم أن تلك القدرة إنما هي لله تعالى وحده ، ومن هذا المعنى قول الشاعر في صفة الحرب [ جد طرفة ] : [ مجزوء الكامل ]
كشفت لهم عن ساقها . . . وبدا عن الشر البراح{[11259]}
وشمرت عن ساقها فشدوا . . . {[11260]}
في سنة قد كشفت عن ساقها . . . حمراء تبري اللحم عن عراقها{[11261]}
وأصل ذلك أنه من أراد الجد في أمر يحاوله فإنه يكشف عن ساقه تشميراً وجداً ، وقد مدح الشعراء بهذا المعنى فمنه قول دريد : [ الطويل ]
كميش الإزار خارج نصف ساقه . . . صبور على الضراء طلاع أنجدِ{[11262]}
وعلى هذا من إرادة الجد والتشمير في طاعة الله تعالى ، قال صلى الله عليه وسلم : «أزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه »{[11263]} . وقرأ جمهور الناس : «يُكشَف عن ساق » بضم الياء على بناء الفعل للمفعول ، وقرأ ابن مسعود : «يَكشِف » بفتح الياء وكسر الشين على معنى يكشف الله ، وقرأ ابن عباس : «تُكشف » بضم التاء على معنى تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة ، وقرأ ابن عباس أيضاً : «تَكشف » بفتح التاء على أن القيامة هي الكاشفة ، وحكى الأخفش عنه أنه قرأ : «نَكشِف » بالنون مفتوحة وكسر الشين ، ورويت عن ابن مسعود . وقوله تعالى : { ويدعون } ظاهره أن ثم دعاء إلى السجود ، وهذا يرده ما قد تقرر في الشرع من أن الآخرة ليست بدار عمل وأنها لا تكليف فيها ، فإذا كان هذا فإنما الداعي ما يرونه من سجود المؤمنين فيريدون هم أن يسجدوا عند ذلك فلا يستطيعونه . وقد ذهب بعض العلماء إلى أنهم يدعون إلى السجود على جهة التوبيخ ، وخرج بعض الناس من قوله : { فلا يستطيعون } أنهم كانوا يستطيعونه قبل ذلك ، وذلك غير لازم . وعقيدة الأشعري : أن الاستطاعة إنما تكون مع التلبس بالفعل لما قبله ، وهذا القدر كاف من هذه المسألة هاهنا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.