تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

{ 12 - 19 } { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } إلى آخر القصة .

يخبر تعالى عن امتنانه على عبده الفاضل لقمان ، بالحكمة ، وهي العلم [ بالحق ]{[664]}  على وجهه وحكمته ، فهي العلم بالأحكام ، ومعرفة ما فيها من الأسرار والإحكام ، فقد يكون الإنسان عالما ، ولا يكون حكيما .

وأما الحكمة ، فهي مستلزمة للعلم ، بل وللعمل ، ولهذا فسرت الحكمة بالعلم النافع ، والعمل الصالح .

ولما أعطاه اللّه هذه المنة العظيمة ، أمره أن يشكره على ما أعطاه ، ليبارك له فيه ، وليزيده من فضله ، وأخبره أن شكر الشاكرين ، يعود نفعه عليهم ، وأن من كفر فلم يشكر اللّه ، عاد وبال ذلك عليه . والله غني [ عنه ]{[665]}  حميد فيما يقدره ويقضيه ، على من خالف أمره ، فغناه تعالى ، من لوازم ذاته ، وكونه حميدا في صفات كماله ، حميدا في جميل صنعه ، من لوازم ذاته ، وكل واحد من الوصفين ، صفة كمال ، واجتماع أحدهما إلى الآخر ، زيادة كمال إلى كمال .

واختلف المفسرون ، هل كان لقمان نبيا ، أو عبدا صالحا ؟ واللّه تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة ، وذكر بعض ما يدل على حكمته في وعظه لابنه ، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ }


[664]:- زيادة من ب.
[665]:- زيادة من ب.
 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

قوله تعالى : { ولقد آتينا لقمان الحكمة } يعني : العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور . قال محمد بن إسحاق : هو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر . وقال وهب : كان ابن أخت أيوب ، وقال مقاتل : ذكر أنه كان ابن خالة أيوب . قال الواقدي : كان قاضياً في بني إسرائيل . واتفق العلماء على أنه كان حكيماً ، ولم يكن نبياً ، إلا عكرمة فإنه قال : كان لقمان نبياً . وتفرد بهذا القول . وقال بعضهم : خير لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة . وروي أنه كان نائماً نصف النهار فنودي : يا لقمان ، هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق ؟ فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي قبلت العافية ، ولم أقبل البلاء ، وإن عزم علي فسمعاً وطاعةً ، فإني أعلم إن فعل بي ذلك أعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان ؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها ، يغشاها الظلم من كل مكان إن يعن ، فبالحري أن ينجو ، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلاً خير من أن يكون شريفاً ، ومن يخير الدنيا على الآخرة تفته الدنيا ولا يصيب الآخرة . فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة ، فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترط لقمان ، فهوى في الخطيئة غير مرة ، كل ذلك يعفو الله عنه ، وكان لقمان يؤازره بحكمته . وعن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً . وقال سعيد بن المسيب : كان خياطاً . وقيل : كان راعي غنم . فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلاناً الراعي فبم بلغت ما بلغت ؟ قال : بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك ما لا يعنيني . وقال مجاهد : كان عبداً أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين . { أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد* }

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا لُقۡمَٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن يَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا يَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٞ} (12)

قوله تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } { لقمان } ، اسم غير منصوف ؛ للتعريف ، وللألف والنون الزائدتين ، كعثمان ولقمان ، مفعول أول للفعل { آتينا } . و { الحكمة } مفعول ثان .

وقد ذهب أكثر العلماء من السلف إلى أن لقمان لم يكن نبيا بل كان حكيما فقد أوتي الحكمة والفهم وحسن الخطاب . وقيل : كان عبدا حبشيا نجارا . وقيل : كان خياطا . وهو قول ابن عباس . وقد أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة ، وكان قاضيا في بني إسرائيل .

قوله : { أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ } { أن } ، بمعنى أي ، المفسرة . يعني : قلنا له اشكر لله ؛ فقد أمره الله بشكره على ما آتاه من نعم العقل والفهم والحكمة ، فشكره لقمان . وشكر الله إنما يكون بطاعته ، والتزام شرعه ، والمضي على صراطه المستقيم .

قوله : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ } من يشكر الله على ما أنعم به عليه من مختلف أنواع الخير والفضل والنعمة والإحسان فلا يجحده ولا ينكر ما منّ به عليه بل يفيض على لسانه ذكر الله وشكره والثناء عليه على الدوام .

قوله : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } من يشكر الله بطاعته والإذعان لجلاله ، وذكر نعمه وآلائه فإن الله يجزل له الثواب ويدرأ عنه المكاره والآلام ويصونه من عواقب الفتن .

قوله : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } من جحد نعم الله ، وأنكر ما منّ به عليه من الخيرات والآلاء { فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ } عن عبادة الخلق وعن شكرهم إياه لا حاجة به سبحانه إلى شكر العباد فشكرهم إياه لا يزيد في سلطانه شيئا ، وكفرانهم نعمه لا ينقص من ملكه أيما شيء ولو مثقال ذرة أو أصغر . وهو سبحانه { حَمِيدٌ } أي محمود في خلقه . أو مستحق للحمد من عباده على ما أنعم به عليهم من الآلاء{[3643]} .


[3643]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 255.