تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

ثم كرر [ ذكر ] عموم إلهيته وانفراده بها ، وأنه المالك لجميع الممالك ، فالعالم العلوي والسفلي وأهله ، الجميع ، مماليك لله ، فقراء مدبرون .

{ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ } أي : المقدس السالم من كل عيب وآفة ونقص ، المعظم الممجد ، لأن القدوس يدل على التنزيه عن كل نقص ، والتعظيم لله في أوصافه وجلاله .

{ الْمُؤْمِنُ } أي : المصدق لرسله وأنبيائه بما جاءوا به ، بالآيات البينات ، والبراهين القاطعات ، والحجج الواضحات .

{ الْعَزِيزُ } الذي لا يغالب ولا يمانع ، بل قد قهر كل شيء ، وخضع له كل شيء ، { الْجَبَّارُ } الذي قهر جميع العباد ، وأذعن له سائر الخلق ، الذي يجبر الكسير ، ويغني الفقير ، { الْمُتَكَبِّرُ } الذي له الكبرياء والعظمة ، المتنزه عن جميع العيوب والظلم والجور .

{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } وهذا تنزيه عام عن كل ما وصفه به من أشرك به وعانده .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

{ هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس } البالغ في النزاهة عما يوجب نقصانا وقرىء بالفتح وهو لغة فيه ، { السلام }ذو السلامة من كل نقص وآفة مصدر وصف به للمبالغة ، { المؤمن }واهب الأمن وقرىء بالفتح بمعنى المؤمن به على حذف الجار ، { المهيمن }الرقيب الحافظ لكل شيء مفيعل من الأمن قلبت همزته هاء ، { العزيز الجبار } الذي جبر خلقه على ما أراده أو جبر حالهم بمعنى أصلحه ، { المتكبر } الذي تكبر عن كل ما يوجب حاجة أو نقصانا ، { سبحان الله عما يشركون }إذ لا يشركه في شيء من ذلك .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

وقرأ جمهور الناس : «القُدوس » بضم القاف ، وهو فعول من تقدس إذا تطهر ، وحظيرة القدس الجنة ، لأنها طاهرة ، ومنه روح القدس ، ومنه الأرض المقدسة بيت المقدس ، وروي عن أبي ذر أنه قرأ : «القَدوس » بفتح القاف وهي لغة ، و { السلام } معناه : الذي سلم من جوره ، وهذا اسم على حذف مضاف أي ذو { السلام } ، لأن الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلها ، و { المؤمن } اسم فاعل من آمن بمعنى أمن . قال أحمد بن يحيى ثعلب معناه : المصدق للمؤمنين في أنهم آمنوا . قال النحاس : أو في شهادتهم على الناس في القيامة . وقال ناس من المتأولين معناه : المصدق نفسه في أقواله الأزلية : لا إله غيره و { المهيمن } معناه : الأمين والحفيظ . قاله ابن عباس وقال مؤرج : { المهيمن } : الشاهد بلغة قريش ، وهذا بناء لم يجئ منه في الصفات إلا مهيمن ومسيطر ومبيقر ومبيطر ، جاء منه في الأسماء مجيمر : وهو اسم واد ومديبر . و : { العزيز } الذي لا يغلب والقاهر الذي لا يقهر يقال عزيز إذا غلب برفع العين في المستقبل . قال الله تعالى : { وعزني في الخطاب } [ ص : 23 ] أي غلبني ، وفي المثل من عز بزّ أي من غلب سلب ، و { الجبار } هو الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق رتبه ، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق وأنشد الزهراوي : [ الطويل ] .

أطافت به جيلان عند قطاعه . . . وردت إليه الماء حتى تجبرا{[11033]} .

و { المتكبر } معناه الذي له التكبر حقاً ، ثم نزه الله تعالى نفسه عن إشراك الكفار به الأصنام التي ليس لها شيء من هذه الصفات .


[11033]:هذا البيت لامرئ القيس، وهو من قصيدته التي قالها حين توجه إلى قيصر مستنجدا به على بني أسد، وهو في الديوان، واللسان، والتاج-مادة الجيل- والشاعر يصف هنا وفي الأبيات التي قبل هذا نخيلا ارتفع وعلا، وكثرت فروعه، وتدلت القنوان منه بالبسر الأحمر وجيلان-بكسر الجيم- قوم كان كسرى يرسلهم عمالا إلى البحرين،- وقد تضبط (جَيلان) بفتح الجيم- يقول: طافت بهذا النخل جيلان عند قطافه، وجمعت حوله الماء حتى ارتفع في السماء عاليا. والشاهد على هذا في قوله: "تجبرا"، ولكن الرواية في الديوان وفي التاج "حتى تحيرا" بالحاء والياء، وقد اختلفت الروايات في البيت، فروي: أتيح له جيلان عند جَذاذه وردد فيه الطرف حتى تحيرا ورواية التهذيب:"عند جداره"، ورواية شرح القاموس:"عند قطافه"، ورواية الديوان:"وردد فيه العين حتى تحيرا"، وعلى كل هذه الرويات لا شاهد في البيت، والتحير يرجع إلى الطرف، فقد تحير في ارتفاع النخل وكثرة فروعه.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَيۡمِنُ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ} (23)

{ هُوَ الله الذى لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجَبّارُ المتُتَكَبِرُّ } .

القول في ضمير { هو } كالقول في نظيره في الجملة الأولى . وهذا تكرير للاستئناف لأن المقام مقام تعظيم وهو من مقامات التكرير ، وفيه اهتمام بصفة الوحدانية .

و { الملك } : الحاكِم في الناس ، ولا مَلِك على الإِطلاق إلاّ الله تعالى وأما وصف غيره بالمَلِك فهو بالإِضافة إلى طائفة معيَّنة من الناس . وعُقب وصفا الرحمة بوصف { الملك } للإِشارة إلى أن رحمته فضل وأنه مطلق التصرف كما وقع في سورة الفاتحة .

و { القدوس } بضم القاف في الأفصح ، وقد تفتح القاف قال ابن جنّي : فَعُّول في الصفة قليل ، وإنما هو في الأسماء مثل تَنُّور وسَفُّود وعَبُّود . وذكر سيبويه السَّبُّوح والقَدوس بالفتح ، وقال ثعلب : لم يَرد فَعُّول بضم أوله إلا القُدوس والسُّبوح . وزاد غيره الذُّرُّوح ، وهو ذُباب أحمر متقطع الحمرة بسواد يشبه الزنبور . ويسمى في اصطلاح الأطباء ذباب الهند . وما عداهما مفتوح مثل سَفُّود وكَلُّوب . وتَنُّور وسَمُّور وشَبُّوط ( صنف من الحوت ) وكأنه يريد أن سبوح وقدوس صارا اسمين .

وعقب ب { القدوس } وصف { الملك } للاحتراس إشارة إلى أنه مُنزه عن نقائص الملوك المعروفة من الغرور ، والاسترسال في الشهوات ونحو ذلك من نقائص النفوس .

و { السلام } مصدر بمعنى المسالَمَة وُصف الله تعالى به على طريقة الوصف بالمصدر للمبالغة في الوصف ، أي ذو السلام ، أي السلامة ، وهي أنه تعالى سالَمَ الخلقَ من الظلم والجور . وفي الحديث « إن الله هو السلام ومنه السّلام » وبهذا ظهر تعقيب وصف { الملك } بوصف { السلام } فإنه بعد أن عُقب ب { القدوس } للدلالة على نزاهة ذاته ، عُقب ب { السلام } للدلالة على العدل في معاملته الخلق ، وهذا احتراس أيضاً .

و { المؤمن } اسم فاعل من آمن الذي همزته للتعدية ، أي جعل غيره آمناً .

فالله هو الذي جعل الأمان في غالب أحوال الموجودات ، إذ خلق نظام المخلوقات بعيداً عن الأخطار والمصائب ، وإنما تَعْرِض للمخلوقات للمصائب بعوارض تتركب من تقارن أو تضاد أو تعارض مصالح ، فيرجَع أقواها ويَدحض أدناها ، وقد تأتي من جرّاء أفعال الناس .

وذكر وصف { المؤمن } عقب الأوصاف التي قبله إتمام للاحتراس من توهّم وصفه تعالى ب { الملك } أنه كالملوك المعروفين بالنقائص . فأفيد أولاً نزاهة ذاته بوصف { القدوس } ، ونزاهة تصرفاته المغيَّبة عن الغدر والكَيد بوصف { المؤمن } ، ونزاهةُ تصرفاته الظاهرةِ عن الجور والظلم بوصف { السلام } .

و{ المهيمن } : الرقيب بلغة قريش ، والحافظ في لغة بقية العرب .

واختلف في اشتقاقه فقيل : مشتق من أمَنَ الداخل عليه همزة التعدية فصار آمَن وأن وزن الوصفِ مُؤَيْمِن قلبت همزته هاء ، ولعل موجب القلب إرادة نقله من الوصف إلى الاسمية بقطع النظر عن معنى الأمن ، بحيث صار كالاسم الجامد . وصار معناه : رقب : ( ألا ترى أنه لم يبق فيه معنى إلا من الذين في المؤمن لمّا صار اسماً للرقيب والشاهد ) ، وهو قلب نادر مثل قلب همزة : أراق إلى الهاء فقالوا : هَراق ، وقد وضعه الجوهري في فصل الهمزة من باب النون ووزنه مفَعْلِل اسم فاعل من آمن مثل مُدحرج ، فتصريفه مُؤَأْمِن بهمزتين بعد الميم الأولى المزيدة ، فأبدلت الهمزة الأولى هاء كما أبدلت همزة آراق فقالوا : هراق .

وقيل : أصله هَيْمن بمعنى : رَقب ، كذا في « لسان العرب » وعليه فالهاء أصلية ووزنه مُفَيْعل . وذَكره صاحب « القاموس » في فصل الهاء من باب النون ولم يذكره في فصل الهمزة منه . وذكره الجوهري في فصل الهمزة وفصل الهاء من باب النون مصرحاً بأن هاءه أصلها همزة . وعدل الراغب وصاحب « الأساس » عن ذكر . وذلك يشعر بأنهما يريان هاءه مبدلة من الهمزة وأنه مندرج في معاني الأمن .

وفي « المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى » للغزالي { المهيمن } في حق الله : القائم على خلقه بأعمالهم وأرزاقهم وآجالهم ، وإنما قيامه عليهم باطلاعه واستيلائه وحفظه . والإِشرافُ ، ( أي الذي هو الإطلاع ) يرجع إلى العلم ، والاستيلاءُ يرجع إلى كمال القدرة ، والحفظُ يرجع إلى الفعل . والجامعُ بين هذه المعاني اسمه { المهيمن } ولن يجتمع عَلَى ذلك الكمال والإِطلاقِ إلا الله تعالى ، ولذلك قيل : إنه من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة اهـ . وفي هذا التعريف بهذا التفصيل نظر ولعله جرى من حجة الإِسلام مجرى الاعتبار بالصفة لا تفسير مدلولها .

وتعقيب { المؤمن } ب { المهيمن } لدفع توهم أن تأمينه عن ضعف أو عن مخافة غيره ، فأُعلموا أن تأمينه لحكمته مع أنه رقيب مطلع على أحوال خلقه فتأمينه إياهم رحمة بهم .

و { العزيز } الذي لا يُغلب ولا يُذلّه أحد ، ولذلك فسر بالغالب .

و { الجبار } : القاهر المُكرِه غيره على الانفعال بفعله ، فالله جبار كل مخلوق على الانفعال لما كوّنه عليه لا يستطيع مخلوق اجتياز ما حدّه له في خلقته فلا يستطيع الإِنسان الطيران ولا يستطيع ذوات الأربع المشي على رجلين فقط ، وكذلك هو جبّار للموجودات على قبول ما أراده بها وما تعلقت به قدرته عليها .

وإذا وصف الإِنسان بالجبار كان وصف ذمّ لأنه يشعر بأنه يحمل غيره على هواه ولذلك قال تعالى : { إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين } [ القصص : 19 ] . فالجبار من أمثلة المبالغة لأنه مشتق من أجبره ، وأمثلة المبالغة تشتق من المزيد بقلة مثل الحكيم بمعنى المحكم . قال الفراء : لم أسمع فَعَّالاً في أفعَلَ إلا جبّاراً ودَرَّاكاً . وكان القياس أن يقال : المجبر والمُدرك ، وقيل : الجبار معناه المصلح من جبر الكَسر ، إذَا أصلحه ، فاشتقاقه لا نذرة فيه .

و { المتكبر } : الشديد الكبرياء ، أي العظمة والجلالة . وأصل صيغة التفعل أن تدل على التكلف لكنها استعملت هنا في لازم التكلف وهو القوة لأن الفعل الصادر عن تأنق وتكلف يكون أتقن .

ويقال : فلان يتظلم على الناس ، أي يكثر ظلمهم .

ووجه ذكر هذه الصفات الثلاث عقب صفة { المهيمن } أن جميع ما ذكره آنفاً من الصفات لا يؤذن إلا باطمئنان العباد لعناية ربهم بهم وإصلاح أمورهم وأن صفة { المهيمن } تؤذن بأمر مشترك فعقبت بصفة { العزيز } ليعلم الناس أن الله غالب لا يعجزه شيء . وأتبعت بصفة { الجبار } الدالة على أنّه مسخر المخلوقات لإِرادته ثم صفة { المتكبر } الدالة على أنه ذو الكبرياء يصغر كل شيء دون كبريائه فكانت هذه الصفات في جانب التخويف كما كانت الصفات قبلها في جانب الإِطماع .

{ سبحان الله عَمَّا يشركون } .

ذيلت هذه الصفات بتنزيه الله تعالى عن أن يكون له شركاء بأن أشرك به المشركون . فضمير { يشركون } عائد إلى معلوم من المقام وهم المشركون الذين لم يزل القرآن يقرعهم بالمواعظ .