تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ }

هذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله على رسله ، من العلم الذي أخذ الله الميثاق على أهله ، أن يبينوه للناس ولا يكتموه ، فمن تعوض عنه بالحطام الدنيوي ، ونبذ أمر الله ، فأولئك : { مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ } لأن هذا الثمن الذي اكتسبوه ، إنما حصل لهم بأقبح المكاسب ، وأعظم المحرمات ، فكان جزاؤهم من جنس عملهم ، { وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } بل قد سخط عليهم وأعرض عنهم ، فهذا أعظم عليهم من عذاب النار ، { وَلَا يُزَكِّيهِمْ } أي : لا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة ، وليس لهم أعمال تصلح للمدح والرضا والجزاء عليها ، وإنما لم يزكهم لأنهم فعلوا أسباب عدم التزكية التي أعظم أسبابها العمل بكتاب الله ، والاهتداء به ، والدعوة إليه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا } عوضا حقيرا . { أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار } إما في الحال ، لأنهم أكلوا ما يتلبس بالنار لكونها عقوبة عليه فكأنه أكل النار كقوله :

أكلت دما إن لم أرعك بضرة *** بعيدة مهوى القرط طيبة النشر

يعني الدية . أو في المآل أي لا يأكلون يوم القيامة إلا النار . ومعنى في بطونهم : ملء بطونهم . يقال أكل في بطنه وأكل في بعض بطنه كقوله :

كلوا في بعض بطنكمو تعفوا

{ ولا يكلمهم الله يوم القيامة } عبارة عن غضبه عليهم ، وتعريض بحرمانهم حال مقابليهم في الكرامة والزلفى من الله . { ولا يزكيهم } لا يثني عليهم . { ولهم عذاب أليم } مؤلم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 174 )

وقوله تعالى : { إن الذين يكتمون } الآية ، قال ابن عباس وقتادة والربيع والسدي : المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، و { الكتاب } : التوراة والإنجيل : والضمير في { به } عائد على { الكتاب } ، ويحتمل أن يعود على { ما } وهو جزء من الكتاب ، فيه أمر محمد صلى الله عليه وسلم ، وفيه وقع الكتم لا في جميع الكتاب ، ويحتمل أن يعود على الكتمان ، والثمن القليل : الدنيا والمكاسب ، ووصف بالقلة لانقضائه ونفاده ، وهذه الآية وإن كانت نزلت في الأحبار فإنها تتناول من علماء المسلمين من كتم الحق مختاراً لذلك لسبب دنيا يصيبها( {[1574]} ) .

وذكرت البطون في أكلهم المؤدي إلى النار دلالة على حقيقة الأكل ، إذ قد يستعمل مجازاً في مثل أكل فلان أرضي ونحوه ، وفي ذكر البطن أيضاً تنبيه على مذمتهم بأنهم باعوا آخرتهم بحظهم من المطعم الذي لا خطر له ، وعلى هجنتهم بطاعة بطونهم ، وقال الربيع وغيره : سمي مأكولهم ناراً لأنه يؤول بهم إلى النار( {[1575]} ) ، وقيل : معنى الآية : أن الله تعالى يعاقبهم على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ، وقوله تعالى : { ولا يكلمهم } قيل : هي عبارة عن الغضب عليهم وإزالة الرضى عنهم ، إذ في غير موضع من القرآن ما ظاهره أن الله تعالى يكلم الكافرين ، كقوله { اخسؤوا فيها ولا تكلّمون } ( {[1576]} ) [ المؤمنون : 108 ] ، ونحوه ، فتكون هذه الآية بمنزلة قولك : «فلان لا يكلمه السلطان ولا يلتفت إليه » وأنت إنما تعبر عن انحطاط منزلته لديه ، وقال الطبري وغيره : المعنى ولا يكلمهم بما يحبون ، وقيل : المعنى لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية ، { ولا يزكيهم } معناه : لا يطهرهم من موجبات العذاب ، وقيل : المعنى لا يسميهم أزكياء ، و { أليم } اسم فاعل بمعنى مؤلم .


[1574]:- لأن الاعتداد بعموم لفظها لا بخصوص سببها، ومن هنا ينبغي للعلماء والقائمين على التعليم عموما أن يبتعدوا عن أخذ الهدايا والرشا من الطلبة والمتعلمين، وقد قال الله تعالى لنبيه: [قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى] وفي سنن أبي داود، عن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه قال: علّمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن وأهدى إلى رجل منهم قوسا فقلت: ليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتيته فقلت: يا رسول الله – رجل أهدى إلي قوسا فيمن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عليها في سبيل الله، قال: «إن كنت تحب أن تُطَوَّقَ طوقا من نار فاقبلها» وفي رواية – قلت: ما ترى فيها يا رسول الله قال: «جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها». وروى الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «علماء هذه الأمة رجلان، رجل آتاه الله علما فبذله للناس ولم يأخذ عليه طُعما، ولم يشتر به ثمنا قليلا فذلك يُصلّي عليه طير السماء وحيتان الماء ودواب الأرض والكرام الكاتبون، يقدم على الله سيدا شريفا حتى يرافق المرسلين، ورجل آتاه الله علما في الدنيا فضن به على عباد الله، وأخذ عليه طعما، واشترى به ثمنا قليلا فذلك يأتي يوم القيامة مُلَجما بلجام من نار، وينادي مناد على رؤوس الأشهاد: هذا فلان ابن فلان آتاه الله علما في الدنيا فضنّ به على عباد الله، وأخذ عليه طعما، واشترى به ثمنا قليلا، ثم يعذب حتى يفرغ من الحساب» انتهى.
[1575]:- والتعبير عن الشيء بما يؤول إليه واردا بكثرة في القرآن والشعر العربي، ومن ذلك قول الله تعالى: [إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا].
[1576]:- من الآية (108) من سورة المؤمنون.