فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار } .

{ إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب } المراد بهذه الآية علماء اليهود لأنهم كتموا ما أنزل الله في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته ووقت نبوته ، هذا قول المفسرين ، وقال المتكلمون بل كانوا يكتمون التأويل والمعنى يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب والأول أولى { ويشترون به } أي بالكتمان أو بما أنزل الله من الكتاب والأول أظهر ، والاشتراء هنا الاستبدال ، وقد تقدم تحقيقه { ثمنا قليلا } سماه قليلا لانقطاع مدته وسوء عاقبته ، وهذا السبب وإن كان خاصا فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، وهو يشمل كل من كتم ما شرعه الله وأخذ عليه الرشا .

{ أولئك ما يأكلون في بطونهم } ذكر البطون دلالة وتأكيد على أن هذا الأكل حقيقة ، إذ يستعمل مجازا في مثل أكل فلان أرضي ونحوه ، وقال في الكشاف معناه ملء بطونهم ظرف متعلق لما قبله لا حال مقدرة كما قال الكواشي { إلا النار } استثناء مفرغ أي أنه يوجب عليهم عذاب النار فسمى ما أكلوه نارا لأنه يؤول إليها ، هكذا قال أكثر المفسرين وهو من مجاز الكلام ، وقيل إنهم يعاقبون على كتمانهم بأكل النار في جهنم حقيقة ومثله قوله سبحانه { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا } .

{ ولا يكلمهم الله يوم القيامة } أي كلام رحمة وما يسرهم بل يكلهم بالتوبيخ ، وعدم تكليم الله إياهم كناية عن حلول غضب الله عليهم وعدم الرضا عنهم ، يقال فلان لا يكلم فلانا إذا غضب عليه ، وقال ابن جرير الطبري المعنى ولا يكلمهم بما يحبونه ولا بما يكرهونه كقوله تعالى { إخسؤوا فيها ولا تكلمون } وإنما كان عدم تكليمهم في معرض التهديد لأن يوم القيامة هو اليوم الذي يكلم الله فيه كل الخلائق بلا واسطة فيظهر عند كلامه السرور في أوليائه وضده في أعدائه .

{ ولا يزكيهم } لا يثنى عليهم خيرا ، قاله الزجاج وقيل معناه لا يصلح أعمالهم الخبيثة فيطهرهم أو لا ينزلهم منازل الأزكياء ، وقيل لا يطهرهم من دنس الذنوب { ولهم عذاب أليم } أي وجيع يصل ألمه إلى قلوبهم وهو النار .