الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

وقوله تعالى : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب . . . } [ البقرة :174 ] .

قال ابن عَبَّاس وغيره : المراد أحبار اليهود الذين كتموا أمْر محمَّد صلى الله عليه وسلم ، و{ الكتاب } : التوراة والإِنجيل .

( ع ) وهذه الآية وإِن كانَتْ نزلَتْ في الأحبار ، فإِنها تتناوَلُ من علماء المسلمين مَنْ كتم الحقَّ مختاراً لذلك بسبب دُنْيَا يصيبُهَا ، وفي ذكر البَطْنِ تنبيهٌ على مذمَّتهم ، بأنهم باعوا آخرتهم بحظِّهم من المطعم الذي لا خَطَرَ له ، وعلى هُجْنَتِهمْ بطاعة بُطُونهم ، قال الرَّبِيع وغيره : سمي مأكولهم ناراً ، لأنه يؤول بهم إِلى النار ، وقيل : يأكلون النار في جَهَنَّمَ حقيقةً .

( ت ) وينبغي لأهل العلْمِ التنزُّه عن أخْذ شيء من المتعلِّمين على تعليم العلْم ، بل يلتمسُونَ الأجر من اللَّه عزَّ وجلَّ ، وقد قال تعالى لنبيِّه - عليه السلام - : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً . . . } [ الأنعام : 90 ] ، وفي سنن أبي دَاوُدَ ، عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، قال : " عَلَّمْتُ نَاساً مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ الكِتَابَ وَالقُرْآنَ ، وأهدى إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوْساً ، فَقُلْتُ : لَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، لآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلأسْأَلَنَّهُ فَأَتَيْتُهُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَجُلٌ أهدى إِلَيَّ قَوْساً مِمَّنْ كُنْتُ أُعَلِّمُهُ الكِتَابَ وَالقُرْآنَ ، وَلَيْسَتْ بِمَالٍ ، وَأَرْمِي عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، قَالَ : إِنْ كُنْتَ تُحِبُّ أَنْ تُطَوَّقَ طَوْقاً مِنْ نَارٍ فاقبلها ، وَفِي روايةٍ : " فَقُلْتُ مَا ترى فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهُ ؟ قَالَ : جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا أَوْ تَعَلَّقْتَهَا ، " انتهى .

وقوله تعالى : { وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله }[ البقرة :174 ] .

قيل : هي عبارةٌ عن الغضب عليهم ، وإِزالة الرضَا عنهم ، إِذ في غير موضعٍ من القُرآن ما ظاهره أن اللَّه تعالى يكلِّم الكافرين ، وقال الطبريُّ وغيره : المعنى لا يكلِّمهم بما يحبُّونَهُ .

{ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ }[ البقرة :174 ] أي : لا يطهِّرهم من موجباتِ العذابِ ، وقيل : المعنى : لا يسمِّيهم أزكياء .