التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

قوله تعالى : ( إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) .

المراد بالكاتمين لما أنزل الله هم اليهود ، فقد أخفوا حقيقة الرسول محمد ( ص ) وصفته التي كانت مكتوبة عندهم في التوراة . وكان من أمانة الصدق والتبليغ أن يبينوا للناس أن هذا هو نبي الأمة ، وأنه صادق أمين قد آتاه الله الوحي ، لكنهم أنكروا ذلك بالكلية وكتموا في صدورهم خبر الرسالة المحمدية ، وذلك في مقابل ما اشتروا به ثمنا قليلا . والثمن القليل هو جنوحهم للرياسة وعلو المكانة ، فقد كانوا يتصورون أنهم موضع اعتبار وتكريم ، فخشوا بذلك على مكانتهم أن تهون إذا أظهروا صدق الكتاب الحكيم " القرآن " أو اعترفوا بنبوة محمد ( ص ) .

ومما يذكر أيضا أن اليهود كانوا يستفيدون من قريش عطاء ماليا بخسا وهو ما كانوا يأخذونه على هيئة رشا وهدايا عوضا لتملقهم إليهم وإطرائهم والثناء عليهم وكذلك الإعلان في صراحة أن العرب المشركين خير من محمد وأتباعه ، وأنهم وما يعبدون على حق وصدق . وأن المسلمين على الباطل .

ذلك هو اشتراؤهم بدينهم وكتابهم ثمنا قليلا . فقد أعطوا كثيرا إذ فرطوا في دينهم وكتابهم ، وأخذوا بدلا من ذلك ثمنا بخسا على هيئة عطايا أو هدايا أو رشاء .

وذلك ثمن حرام بخس أخذوه بدل تفريطهم في دينهم وكتابهم ، فكان بذلك أن جزاءهم النار يأكلونها في بطونهم لتنصهر بها الأحشاء والأمعاء والحوايا وليذوقوا وبال أمرهم جزاء افترائهم على الله وممالأتهم للمشركين كذبا وملقا وزورا .

وكذلك فإن الله سبحانه لا يكلمهم يوم القيامة . أي يحيطهم بغضبه فلا يرضى عنهم ( ولا يزكيهم ) أي لا يجعلهم مع الطاهرين الأزكياء ولا يثني عليهم خيرا ، بل إن الله قد أعد لهم عذابا مؤلما وهو العذاب الذي ليس له في صورة العذاب مثيل ، لا في الإيلام ، ولا في الإيجاع ، ولا في التحريق . فإنه العذاب المخوف الذي تجتمع فيه كل أسباب الهوان والتعس والإيلام من إذلال وخزي أو تحريق وإصلاء او تعذيب بالسم والجوع أو إطعام بما لا ينفع ولا يغني من جوع كالزقوم والضريع والغسلين ، والعياذ بالله من ذلك كله .