بحر العلوم لعلي بن يحيى السمرقندي - السمرقندي  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

قوله تعالى : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب } ، نزلت في رؤساء اليهود كانوا يرجون أن يكون النبي عليه السلام منهم ، فلما كان من غيرهم خشوا بأن تذهب منافعهم من السفلة ، فعمدوا إلى صفة النبي صلى الله عليه وسلم فغيّروها . ويقال : غيروا تأويلها فنزلت هذه الآية : { إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب } ، يعني في التوراة بكتمان صفة النبي صلى الله عليه وسلم { وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيًلا } ، يعني يختارون به عرضاً يسيراً من منافع الدنيا . { أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النار } ، يعني يأكلون الحرام . وإنما سمي الحرام ناراً ، لأنه يستوجب به النار ، كما قال في آية أخرى : { إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً } [ النساء : 10 ] .

{ وَلاَ يُكَلّمُهُمُ الله يَوْمَ القيامة } ، أي لا يكلمهم بكلام الخير ، لأنه يكلمهم بكلام العذاب حيث قال تعالى : { قَالَ اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] ، { وَلاَ يُزَكّيهِمْ } ، أي ولا يطهرهم من الأعمال الخبيثة السيئة . وقال الزجاج : { ولا يزكيهم } أي لا يثني عليهم خيراً ، ومن لا يثني عليه فهو معذب ؛ { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، أي وجيع يعني الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ، وكذلك كل من كان عنده علم فاحتاج الناس إلى ذلك فكتمه ، فهو من أهل هذه الآية . وهذا كما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مَنْ كَتَمَ عِلْماً ، أَلْجَمَهُ الله تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ »