الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَـٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمۡ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (174)

قوله : ( اِنَّ الذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الكِتَابِ ) [ 173 ] . [ إلى قوله : ( المُتَّقُونَ ) [ 176 ] .

هذه الآية عند قتادة وغيره نزلت في أهل الكتاب( {[5251]} ) . كتموا ما أنزل الله عز وجل في كتابهم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم( {[5252]} ) .

قال ابن عباس : " هم اليهود كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وأخذوا( {[5253]} ) عليه طمعاً( {[5254]} ) قليلاً( {[5255]} ) " . وهو قول السدي والربيع( {[5256]} ) .

وقال عكرمة في هذه الآية وفي قوله : ( إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً )( {[5257]} ) : نزلت جميعاً في يهود " ( {[5258]} ) .

قال ابن مسعود : / " قال النبي صلى الله عليه وسلم : " مَن حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَقْطَعُ بِها مَالاً( {[5259]} ) لَقِيَ اللَّهَ ، وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ " ( {[5260]} ) . وتصديقه في كتاب الله عز وجل : ( إِنَّ الذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً )( {[5261]} ) .

ومعنى ( يَشْتَرُونَ )( {[5262]} ) يبتاعون به( {[5263]} ) .

والهاء في " به " تعود على الكتمان ، أي : وابتاعوا بكتمانهم ما أنزل الله عز وجل في كتابهم( {[5264]} )ن ذكر محمد صلى الله عليه وسلم .

( ثَمَناً قَلِيلاً ) : أي : أخذوا عليه طمعاً( {[5265]} ) قليلاً ، أي : أخذوا الرشوة وكتموا ما أنزل الله عز وجل وبدلوه وحرفوه .

ثم قال تعالى : ( أُوْلَئِكَ مَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمُ إِلاَّ النَّارَ ) [ 173 ] .

أي : ما يأكلون في بطونهم من الرشا إلا( {[5266]} ) ما يؤديهم إلى النار ، ومثله : ( اِنَّمَا يَاكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً )( {[5267]} ) أي : ما يوردهم( {[5268]} ) النار . فاستغنى في( {[5269]} ) الآيتين بذكر النار لفهم السامعين المعنى( {[5270]} ) لأنه لما كان ما( {[5271]} ) يأكلون من الطيبات بالرشا يوردهم النار كانوا كأنهم يأكلون النار . وإنما قال ( فِي بُطُونِهِمُ ) ، وقد علم أن الأكل لا يكون إلا في البطن لأن العرب تقول : " جُعْتُ فِي غَيْرِ بَطْنِي " و " شَبِعْتُ فِي غَيْرِ بَطْنِي " . فقيل في الآية : ( فِي بُطُونِهِمُ )/للفرق والتأكيد( {[5272]} ) .

وقوله : ( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) [ 173 ] .

أي : لا يكلمهم بما يحبون ولا بما يشتهون ، ويكلمهم بما يكرهون لأنه قد أخبر بأنه يقول لهم ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ )( {[5273]} ) وقيل : معنى ( وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ) : يغضب( {[5274]} ) عليهم . يقال : " فُلانٌ لا يُكَلِّمُ فُلاَناً " إذا غضب عليه( {[5275]} ) .

وقيل : المعنى : لا يسمعهم كلامه لأن الأبرار يسمعون كلامه .

وقيل : معناه : لا يرسل لهم الملائكة بالتحية( {[5276]} ) .

وقوله : ( وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ) [ 173 ] : أي لا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم .

( وَلَهُمْ عَذَابٌ اَلِيمٌ ) [ 173 ] : أي( {[5277]} ) موجع( {[5278]} ) .


[5251]:- ما بين المعقوفتين ساقط من ع1، ح، ق.
[5252]:- انظر: جامع البيان 3/327، وتفسير القرطبي 2/234.
[5253]:- في ع2: أحد. وهو تحريف.
[5254]:- في ع1: طعماً. وهو تحريف.
[5255]:- انظر: المحرر الوجيز 2/52.
[5256]:- انظر: المحرر الوجيز 2/52، والدر المنثور 1/408.
[5257]:- آل عمران آية 76.
[5258]:- انظر: جامع البيان 3/328، والدر المنثور 1/408.
[5259]:- في ع3: مال امرئ.
[5260]:- رواه الستة إلا النسائي. انظر: صحيح البخاري 5/166- 8/158، وصحيح مسلم: 1/122، وسنن أبي داود 3/220، وسنن ابن ماجه 2/778، وسنن الترمذي 3/569.
[5261]:- انظر: تفسيره 2/165.
[5262]:- في ع2، ح: ويشترون.
[5263]:- سقط من ق، ع3.
[5264]:- في ع3: كتابه.
[5265]:- في ع1: طعما.
[5266]:- في ع2: إلى.
[5267]:- النساء آية 10.
[5268]:- في ع1، ع2، ق، ع3: يردهم.
[5269]:- في ع2: بما استغنى في. وفي ع3: فاستغنى.
[5270]:- في ع2، ع3: للمعنى.
[5271]:- سقط من ق.
[5272]:- في ع2، ق: للتأكيد. وانظر: هذا التوجيه في جامع البيان 3/329.
[5273]:- المؤمنون آية 109.
[5274]:- في ق: بغضب. وهو تصحيف.
[5275]:- انظر: تفسير القرطبي 2/235.
[5276]:- انظر: المصدر السابق.
[5277]:- سقط من ع3.
[5278]:- في ق: مرجع. وهو تحريف.