{ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ } أي : يقضوا نسكهم ، ويزيلوا الوسخ والأذى ، الذي لحقهم في حال الإحرام ، { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } التي أوجبوها على أنفسهم ، من الحج ، والعمرة والهدايا ، { وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } أي : القديم ، أفضل المساجد على الإطلاق ، المعتق : من تسلط الجبابرة عليه . وهذا أمر بالطواف ، خصوصا بعد الأمر بالمناسك عموما ، لفضله ، وشرفه ، ولكونه المقصود ، وما قبله وسائل إليه .
ولعله -والله أعلم أيضا- لفائدة أخرى ، وهو : أن الطواف مشروع كل وقت ، وسواء كان تابعا لنسك ، أم مستقلا بنفسه .
{ ثم ليقضوا تفثهم } ثم ليزيلوا وسخهم بقص الشارب والأظفار ونتف الإبط والاستحداد عند الإحلال . { وليوفوا نذورهم } ما ينذرون من البر في حجهم ، وقيل مواجب الحج . وقرأ أبو بكر بفتح الواو وتشديد الفاء . { وليطوفوا } طواف الركن الذين به تمام التحلل فإنه قرينة قضاء التفث ، وقيل طواف الوداع . وقرأ ابن عامر وحده بكسر اللام فيهما . { بالبيت العتيق } القديم لأنه أول بيت وضع للناس ، أو المعتق من تسلط الجبابرة فكم من جبار رسا إليه ليهدمه فمنعه الله تعالى ، وأما الحجاج فإنما قصد إخراج ابن الزبير منه دون التسلط عليه .
اختلفت القراءة في سكون اللام في قوله تعالى : { ليقضوا وليوفوا وليطوفوا } وفي تحريك جميع ذلك بالكسر وفي تحريك «ليقضوا » وتسكين الاثنين وقد تقدم في قوله : { فليمدد }{[8363]} [ الحج : 15 ، مريم : 75 ] بسبب توجيه جميع ذلك ، و «التفث » ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعث ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث{[8364]} وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضى التفث إلا بعد ذلك ، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر «وليوَفّوا » بفتح الواو وشد الفاء ، ووفى وأوفى لغتان مستعملتان في كتاب الله تعالى ، وأوفى أكثر{[8365]} . و «النذور » ما معهم من هدي وغيره ، والطواف المذكور في هذه الآية هو طواف الإفاضة الذي هو من واجبات الحج ، قال الطبري لا خلاف بين المتأولين في ذلك ، قال مالك : هو واجب يرجع تاركه من وطنه إلا أن يطوف طواف وداع فإنه يجزئه منه .
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل بحسب الترتيب أن تكون الإشارة إلى طواف الوادع إذ المستحسن أن يكون ولا بد ، وقد أسند الطبري عن عمرو بن أبي سلمة قال : سألت زهيراً{[8366]} عن قوله تعالى : { وليطوفوا } بالبيت العتيق } فقال : هو طواف الوداع ، وقال مالك في الموطأ واختلف المتألون في وجه صفة البيت ب { العتيق } ، فقال مجاهد والحسن { العتيق } القديم يقال سيف عتيق وقد عتق الشيء ، قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول يعضده النظر إذ هو أول بيت وضع للناس إلا أن ابن الزبير قال : سمي عتيقاً لأن الله تعالى أعتقه من الجبابرة بمنعه إياه منهم وروي في هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا نظر مع الحديث{[8367]} ، وقال فرقة : سمي عتيقاً لأنه لم يملك موضعه قط ، وقالت فرقة : سمي عتيقاً لأن الله تعالى يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب ، قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا يرد التصريف{[8368]} : وقيل : سمي عتيقاً لأنه أعتق من غرق الطوفان ، قاله ابن جبير ، ويحتمل أن يكون { العتيق } صفة مدح تقتضي جودة الشيء كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «حملت على فرس عتيق » الحديث{[8369]} ونحوه قولهم كلام حر وطين حر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.