تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

{ 62 - 64 ْ } { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ْ }

هذا إرشاد من الله لعباده المؤمنين ، أنهم إذا كانوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على أمر جامع ، أي : من ضرورته أو من مصلحته ، أن يكونوا فيه جميعا ، كالجهاد ، والمشاورة ، ونحو ذلك من الأمور التي يشترك فيها المؤمنون ، فإن المصلحة تقتضي اجتماعهم عليه وعدم تفرقهم ، فالمؤمن بالله ورسوله حقا ، لا يذهب لأمر من الأمور ، لا يرجع لأهله ، ولا يذهب لبعض الحوائج التي يشذ بها عنهم ، إلا بإذن من الرسول أو نائبه من بعده ، فجعل موجب الإيمان ، عدم الذهاب إلا بإذن ، ومدحهم على فعلهم هذا وأدبهم مع رسوله وولي الأمر منهم ، فقال : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ْ } ولكن هل يأذن لهم أم لا ؟ ذكر لإذنه لهم شرطين :

أحدهما : أن يكون لشأن من شئونهم ، وشغل من أشغالهم ، فأما من يستأذن من غير عذر ، فلا يؤذن له .

والثاني : أن يشاء الإذن فتقتضيه المصلحة ، من دون مضرة بالآذن ، قال : { فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ ْ } فإذا كان له عذر واستأذن ، فإن كان في قعوده وعدم ذهابه مصلحة برأيه ، أو شجاعته ، ونحو ذلك ، لم يأذن له ، ومع هذا إذا استأذن ، وأذن له بشرطيه ، أمر الله رسوله أن يستغفر له ، لما عسى أن يكون مقصرا في الاستئذان ، ولهذا قال : { وَاسْتَغْفِرْ لَهُم اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ْ } يغفر لهم الذنوب ويرحمهم ، بأن جوز لهم الاستئذان مع العذر .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

{ إنما المؤمنون } أي الكاملون في الإيمان . { الذين آمنوا بالله ورسوله } من صميم قلوبهم . { وإذا كانوا معه على أمر جامع } كالجمعة والأعياد والحروب والمشاورة في الأمور ، ووصف الأمر بالجمع للمبالغة وقرئ " أمر جميع " . { لم يذهبوا حتى يستأذنوه } يستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأذن لهم ، واعتباره في كمال الإيمان لأنه كالمصداق لصحته والمميز للمخلص فيه عن المنافق فإنه ديدنه التسلل والفرار ، ولتعظيم الجرم في الذهاب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه ولذلك أعاده مؤكدا على أسلوب أبلغ فقال : { إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } فإنه يفيد أن المستأذن مؤمن لا محالة وأن الذهاب بغير إذن ليس كذلك . { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم } ما يعرض لهم من المهام ، وفيه أيضا مبالغة وتضييق الأمر . { فائذن لمن شئت منهم } تفويض للأمر إلى رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ، واستدل به على أن بعض الأحكام مفوضة إلى رأيه ومن منع ذلك قيد المشيئة بأن تكون تابعة لعلمه بصدقه فكأن المعنى : فائذن لمن علمت أن له عذرا . { واستغفر لهم الله } بعد الإذن فإن الاستئذان ولو لعذر قصور لأنه تقديم لأمر الدنيا على أمر الدين . { إن الله غفور } لفرطات العباد . { رحيم } بالتيسير عليهم .