تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

الآية 62 : وقوله تعالى : ]إنما المؤمنون الذي آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه[ كقوله {[14259]} في آية أخرى : ]إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا[ الآية ( الحجرات : 15 ) وقوله{[14260]} في آية أخرى : ]إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا[ ( الأنفال : 2 ) .

هذا ، والله أعلم ، ليس أن ما ذكر من الاستئذان وترك الارتياب وزيادة الإيمان بالتلاوة ونحوه من شرط الإيمان . ولكن ، والله أعلم ، إن الأولى بالمؤمنين هذا : ألا يذهبوا حتى يستأذنوا رسوله ، وألا يرتابوا ، وأن يجاهدوا ، وأن تزيدهم{[14261]} التلاوة ما ذكر . ليس على جعله شرطا للإيمان ، ولكن ما ذكرنا من الأولى بهم والاختيار لهم ما ذكر ، والله أعلم .

ثم ذكر في هذه الآية أن المؤمنين لا يذهبون عنه ، ولا يفارقونه إلا بالاستئذان منهم من رسول الله ، وذكر أن المنافقين يذهبون ، ويفارقون تسللا ولِوَاذًا حين{[14262]} قال : ]قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا[ ( النور : 63 ) وقال في آية أخرى : ]ولا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر[ ( التوبة : 44 ) ذكر أنهم لا يستأذنوك ، وإنما يستأذنك /374- أ/ المنافقون بقوله : ]إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر[ ( التوبة : 45 ) .

فهذه الآيات في ظاهر المخرج مختلفة ، وإن كانت في المعاني المدرجة فيها متوافقة{[14263]} . فهذا يبطل قول من يحتج بظاهر المخرج ؛ إذ للملحدة أن تقول : هو مختلف في الظاهر ، وإنه من عند غير الله بقوله : ]ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا[ ( النساء : 82 ) .

فدل ما ذكرنا أن الاحتجاج بظاهر المخرج باطل ، والاعتقاد به فاسد خيال .

ثم جائز أن يكون ما ذكر من استئذان المؤمنين وترك الاستئذان أولئك للخروج منه لما لا يستأذنه المؤمنون للخروج من عنده إلا بعذر ، وأولئك يستأذنونه للخروج لا للعذر كقوله تعالى : ]إن بيوتنا عورة وما هي بعورة[ ( الأحزاب : 13 ) . وأما المؤمنون فلا يستأذنونه إلا بعذر ، أو أن يكون ذلك في نوازل مختلفة أو في فرق ، أو أن يكون المؤمنون يظهرون له عذرهم ، ويفوضون أمورهم إلى رسول الله على أن ينظر في ذلك ؛ فإن رأى الصواب الكون والمقام معه أقاموا معه ، والمنافقون لا على ذلك كانوا يفعلون .

وعلى هذا ، والله أعلم ، جائز أن يخرج تأويل الآيات التي ذكرنا .

ثم قوله تعالى : ]وإذا كانوا معه[ أي مع رسول الله ]على أمر جامع[ اختلف فيه : قال بعضهم : يوم الجمعة ويوم العيد ، وقال بعضهم : في الغزو والجهاد في سبيل الله يخبر أن المؤمنين يكونون معه ، لا يذهبون عنه إلا بإذن ، والمنافقين يتسللون ، ويذهبون : مستخفين منه ، ويقعدون ، ويخرجون من عنده .

وأصله : ]وإذا كانوا معه[ أي مع رسول الله ]على أمر جامع[ على أمر طاعة ]لم يذهبوا حتى يستأذنوه( .

قال بعض من أهل التأويل : هذه الآية نسخت الآية التي في سورة ]براءة[ حيث قال في ذاك : ]عفا الله عنك لم أذنت لهم[ ( الآية : 43 ) وقال في سورة النور ]فأذن لمن شئت منهم[ أذن له بالإذن لهم . لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ]واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم[ الأمر بالاستغفار لهم يخرج مخرج الأمر بالتشفع لهم .


[14259]:في الأصل وم: وقال.
[14260]:في الأصل وم: وقال.
[14261]:في الأصل وم يزداد لهم.
[14262]:في الأصل وم: حيث.
[14263]:في الأصل وم: موافقة.