غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا ٱسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ} (62)

51

ومن صور الإذن قوله سبحانه { وإنما المؤمنون } الآية . والمقصود أن يبين عظم الجناية في ذهاب الذاهب عن مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذنه { إذا كانوا معه على أمر جامع } وهو الذي يجمع له الناس . فلما كان الأمر سبب الجمع وصف به مجازاً .

قال مجاهد : هو أمر الحرب ونحوه من الأمور التي يعم ضررها ونفعها . وقال الضحاك : هو الجمعة والأعياد وكل شيء تكون فيه الخطبة . وذلك أنه لا بد في الخطوب الجليلة من ذوي رأي وقوة يستعان بهم وبآرائهم وتجاربهم في كفايتها ، فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال مما يشق على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم ويشعب عليه رأيه . قال الجبائي : في الآية دلالة على أن استئذانهم الرسول من إيمانهم ولولا ذلك لحاز أن يكونوا كاملي الإيمان وإن تركوا الاستئذان . وأجيب بأن ترك الاستئذان من أهل النفاق لا نزاع أنه كفر لأنهم تركوه استخفافاً . قال جار الله : ومما يدل على عظم هذه الجناية أنه جعل ترك ذهابهم حتى يستأذنوه فيأذن لهم ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله ، ومع ذلك صدر الجملة بإنما وأوقع المؤمنين مبتدأ مخبراً عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين . ثم عقبه بمزيد توكيد وتشديد حيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله { إن الذين يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } فجعل الاستئذان كالمصدق الصحة الإيمان بالله والرسول وفيه تعريض بحال المنافقين وتسللهم لواذاً . وفي قوله { لبعض شأنهم } دليل على أن أمر الاستئذان مضيق لا يجوز ارتكابه في كل شأن . وفي قوله { فأذن لمن شئت منهم } دلالة على أنه تعالى فوّض بعض أمر الدين إلى اجتهاد الرسول ورأيه . وزعم قتادة أنها منسوخة بقوله { لم أذنت لهم } [ التوبة : 43 ] وفي قوله { واستغفر لهم الله } وجهان : أحدهما أن هذا الاستغفار لأجل أنهم تركوا الأولى والأفضل وهو أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه ، والآخر أنه جبراً لهم على تمسكهم بإذن الله تعالى في الاستئذان .

/خ64