تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

{ وَلَا تَقْعُدُوا ْ } للناس { بِكُلِّ صِرَاطٍ ْ } أي : طريق من الطرق التي يكثر سلوكها ، تحذرون الناس منها { و ْ } { تُوعَدُونَ ْ } من سلكها { وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ْ } من أراد الاهتداء به { وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا ْ } أي : تبغون سبيل اللّه تكون معوجة ، وتميلونها اتباعا لأهوائكم ، وقد كان الواجب عليكم وعلى غيركم الاحترام والتعظيم للسبيل التي نصبها اللّه لعباده ليسلكوها إلى مرضاته ودار كرامته ، ورحمهم بها أعظم رحمة ، وتصدون لنصرتها والدعوة إليها والذب عنها ، لا أن تكونوا أنتم قطاع طريقها ، الصادين الناس عنها ، فإن هذا كفر لنعمة اللّه ومحادة للّه ، وجعل أقوم الطرق وأعدلها مائلة ، وتشنعون على من سلكها .

{ وَاذْكُرُوا ْ } نعمة اللّه عليكم { إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ ْ } أي : نماكم بما أنعم عليكم من الزوجات والنسل ، والصحة ، وأنه ما ابتلاكم بوباء أو أمراض من الأمراض المقللة لكم ، ولا سلط عليكم عدوا يجتاحكم ولا فرقكم في الأرض ، بل أنعم عليكم باجتماعكم ، وإدرار الأرزاق وكثرة النسل .

{ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ْ } فإنكم لا تجدون في جموعهم إلا الشتات ، ولا في ربوعهم إلا الوحشة والانبتات ولم يورثوا ذكرا حسنا ، بل أتبعوا في هذه الدنيا لعنة ، ويوم القيامة أشد خزيا وفضيحة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (86)

{ ولا تقعدوا بكل صراط توعدون } بكل طريق من طرق الدين كالشيطان ، وصراط الحق وإن كان واحدا لكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام ، وكانوا إذا رأوا أحدا يسعى في شيء منها منعوه . وقيل كانوا يجلسون على المراصد فيقولون لمن يريد شعيبا إنه كذاب فلا يفتننك عن دينك ويوعدون لمن آمن به . وقيل كانوا يقطعون الطريق . { وتصدون عن سبيل الله } يعني الذي قعدوا عليه فوضع الظاهر موضع المضمر بيانا لكل صراط ، ودلالة على عظم ما يصدون عنه وتقبيحا لما كانوا عليه أو الإيمان بالله . { من آمن به } أي بالله ، أو بكل صراط على الأول ، ومن مفعول تصدون على إعمال الأقرب ولو كان مفعول توعدون لقال وتصدونهم وتوعدون بما عطف عليه في موقع الحال من الضمير في تقعدوا . { وتبغونها عوجا } وتطلبون لسبيل الله عوجا بإلقاء الشبه ، أو وصفها للناس بأنها معوجة . { واذكروا إذ كنتم قليلا } عددكم أو عُددكم . { فكثّركم } بالبركة في النسل أو المال . { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } من الأمم قبلكم فاعتبروا بهم .