تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

{ 11 } { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ }

وهذا أيضًا ، من حقوق المؤمنين ، بعضهم على بعض ، أن { لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ } بكل كلام ، وقول ، وفعل دال على تحقير الأخ المسلم ، فإن ذلك حرام ، لا يجوز ، وهو دال على إعجاب الساخر بنفسه ، وعسى أن يكون المسخور به خيرًا من الساخر ، كما هو{[801]}  الغالب والواقع ، فإن السخرية ، لا تقع إلا من قلب ممتلئ من مساوئ الأخلاق ، متحل بكل خلق ذميم ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " بحسب امرئ من الشر ، أن يحقر أخاه المسلم "

ثم قال : { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } أي : لا يعب بعضكم على بعض ، واللمز : بالقول ، والهمز : بالفعل ، وكلاهما منهي عنه حرام ، متوعد عليه بالنار .

كما قال تعالى : { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } الآية ، وسمي الأخ المؤمن{[802]}  نفسًا لأخيه ، لأن المؤمنين ينبغي أن يكون هكذا حالهم كالجسد الواحد ، ولأنه إذا همز غيره ، أوجب للغير أن يهمزه ، فيكون هو المتسبب لذلك .

{ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ } أي : لا يعير أحدكم أخاه ، ويلقبه بلقب ذم يكره أن يطلق عليه{[803]}  وهذا هو التنابز ، وأما الألقاب غير المذمومة ، فلا تدخل في هذا .

{ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ } أي : بئسما تبدلتم عن الإيمان والعمل بشرائعه ، وما تقتضيه ، بالإعراض عن أوامره ونواهيه ، باسم الفسوق والعصيان ، الذي هو التنابز بالألقاب .

{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فهذا [ هو ] الواجب على العبد ، أن يتوب إلى الله تعالى ، ويخرج من حق أخيه المسلم ، باستحلاله ، والاستغفار ، والمدح له مقابلة [ على ] ذمه .

{ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فالناس قسمان : ظالم لنفسه غير تائب ، وتائب مفلح ، ولا ثم قسم ثالث غيرهما .


[801]:- في ب: وهو الغالب.
[802]:- في ب: المسلم.
[803]:- في ب: بلقب يكره أن يقال فيه.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ} (11)

{ لا يسخر قوم من قوم } نهي عن السخرية وهي الاستهزاء بالناس .

{ عسى أن يكونوا خيرا منهم } أي : لعل المسخور منه خير من الساخر عند الله وهذا تعليل للنهي .

{ ولا نساء من نساء } لما كان للقوم لا يقع إلا على الذكور عطف النساء عليهم .

{ ولا تلمزوا أنفسكم } أي : لا يطعن بعضكم على بعض واللمز العيب سواء كان بقول أو إشارة أو غير ذلك ، وسنذكر الفرق بينه وبين الهمز في سورة الهمزة وأنفسكم هنا بمنزلة قوله : { فسلموا على أنفسكم } [ النور : 61 ] .

{ ولا تنابزوا بالألقاب } أي : لا يدع أحد أحدا بلقب والتنابز بالألقاب التداعي بها وقد أجاز المحدثون أن يقال الأعمش والأعرج ونحوه إذا دعت إليه الضرورة ولم يقصد النقص والاستخفاف .

{ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان } يريد بالاسم أن يسمى الإنسان فاسقا بعد أن سمي مؤمنا ، وفي ذلك ثلاثة أوجه :

أحدها : استقباح الجمع بين الفسق وبين الإيمان ، فمعنى ذلك أن من فعل شيئا من هذه الأشياء التي نهي عنها فهو فاسق وإن كان مؤمنا .

والآخر : بئس ما يقوله الرجل للآخر يا فاسق بعد إيمانه ، كقولهم لمن أسلم من اليهود يا يهودي . الثالث : أن يجعل من فسق غير مؤمن وهذا على مذهب المعتزلة .